مع النيروز قالوا ...وتلك ذكرياتهم ... كل عام وانتم بخير



مع النيروز قالوا ...وتلك ذكرياتهم ... كل عام وانتم بخير
==========================================


النيروز أو عيد رأس السنة المصرية هو أول يوم في السنة الزراعية الجديدة ...و قد أتت لفظة نيروز من الكلمة القبطية (ني - يارؤو) = الأنهار و ذلك لأن ذاك الوقت من العام هو ميعاد اكتمال موسم فيضان النيل سبب الحياة في مصر.. ولما دخل اليونانيين مصر أضافوا حرف السي للأعراب كعادتهم (مثل أنطوني وأنطونيوس) فأصبحت نيروس فظنها العرب نيروز الفارسية .
وذكرى النيروز أو رأس السنة القبطية يجب أن يكون يوم عطلة لكل المصريين ليتذكروا فيه أجدادهم الذين قدموا حياتهم لتمسكهم بإيمانهم بوحدانية الله أمام سيف وسطوة وجبروت الوثنية.
" ذكريات من هنا وهناك"
في مقال لقداسة البابا شنوده نُشر بجريدة وطني بتاريخ 17 -9 -1972 تحت عنوان "دروس النيروز" يقول فيه: نحن عندما نعيّد عيد النيروز فإنما نعيد باستمرار بذكرى هؤلاء الشهداء الذين جعلنا بدء بذل دمائهم بدء حياة جديدة لنا وبدء تاريخ جديد لنا. ونحن في الحقيقة نعيّد لكل شهيد يستشهد ونقول في مثل هذا اليوم تعيد الكنيسة بقطع رأس يوحنا المعمدان – أول توت– أول السنة كما نعيد كل يوم بقتل إنسان وسفك دم إنسان وعذابات نالها كل هذا يكون عيداً لنا لأن أكبر عيد هو أن كل إنسان يكمل أيام غربته وجهاده وسعيه على الأرض بسلام لينطلق إلى فوق.
وهذه الذكرى الطيبة تعطينا فكرة أننا أولاد الشهداء وأن الإيمان وصل إلينا بالدم الذكي وأن آباءنا جاهدوا حتى الموت لكي يقدموا إلينا هذه الوديعة الغالية... هذا الإيمان. ولذلك فأن أسهل شيء عندنا هو هذا الدم نسكبه رخيصاً من أجل الله كأولاد للشهداء.
إن عيد النيروز يذكرنا أيضاً بشيء أخر مهم وهو كيف استطاعت الكنيسة أن تعد أولادها للاستشهاد؟ سؤال عجيب لابد أن يدور بالأذهان ...إذ كيف أمكن أن تصل الكنيسة إلى درجة أن ألاف الناس يتقدمون إلى الموت في فرح وفي رضا وفي ترتيل وتسبيح وهم يغنون ويفرحون ؟؟كيف أمكن أن يأتي جيل يتسابق فيه الناس إلى الموت حتى أن القديس "أبو فام" –مثلاً- عندما دُعيّ للاستشهاد داخل قلايته وارتدى أفخر ثيابه وتزيّن ثم ذهب للاستشهاد وهو في أكمل زينة قائلاً: هذا هو يوم عُرسي!!
كيف أمكن أن يصل الناس إلى هذا أنه شيء كالأحلام أن يحب الناس الموت، ويُقبِلون على الاستشهاد بهذا العجب فما المقدمات؟
لابد أن تذكر مقدمات هذا الشيء العجيب فإن هناك دروساً قدمتها الكنيسة لأبنائها أعدتهم بها للاستشهاد. لقد كان أول درس قدمته الكنيسة إلى الناس وأعدّهم للاستشهاد هو درس "الزهد والنُسك" فإن الشخص الزاهد في الدنيا هو الذي يستطيع أن يتركها ولا يحزن عليها...لكن الذي يحب العالم ويتمسك به يصبح خروجه منه صعباً ويبقى خائفاً من الموت. تماماً مثل بنت تُربي أظافرها مثلاً مثل هذه التي تحرص حتى على أظافرها كيف يمكن لها أن تقبل أن تترك الحياة؟؟؟ وتماماً مثل شاب يربي شعره ويتأنق في تسريحه مثل هذا الشاب هل يمكن أن يقبل الاستشهاد ويجود بدمه ؟؟ بالطبع لا..
**أن أول درس في الزهد نسمعه في حكمة مار بطرس الرسول عندما يقول للسيد المسيح "تركنا كل شيء وتبعناك" والسيد المسيح يقول "مَن ترك أباً أو أماً أو أبناً أو ابنة أو زوجة أو أخوات أو أموالاً من أجل اسمي فإنه يأخذ مئة ضعف في ملكوت السموات" ولذلك فإن "بطرس وأخوة إندراوس" عندما عرفا السيد المسيح تركا السفينة وتبعاه وكذلك "السامرية" تركت الجرة وتبعته "ومتى" ترك مكان الجباية وتبعه...كذلك أيضاً شاول الطرسوسي ترك الوظيفة والمركز والسلطة والقوة وتبعه.
إن المسيحية ديانة زاهدة لا يجب أن تفهموها إطلاقاً على غير هذا الوضع والذي يريد أن يكون مسيحياً وهو بعيد عن الزهد فقد أخطأ الطريق إلى المسيحية ولم يفهمها.
ذات مرة كانت هناك امرأة مسيحية –أماً- مقدمة للاستشهاد وهى تحمل طفلها على كتفها وكان الطفل يبكي وهى خائفة عليه ثم إذا بها تلقي به عنها وتقول له "أذهب أنت أيضاً مع أطفال بيت لحم" وتقدمت للاستشهاد!! لقد تأثر أحد القواد بهذه الواقعة تأثراً شديداً حتى أنه ذهب للإمبراطور وقال له "لا فائدة مادام الناس كذلك" وهناك قديسة أخرى أحضروا أولادها لذبحهم وهم على حجرها وقديسات أمهات كثيرات كن يشجعن أولادهن على الموت ويحضرونهم للاستشهاد. وذلك زهد في كل شيء وارتفاع عن كل المحبات البشرية التي تعرقل طريق الملكوت.
** الدرس الثاني الذي علمته الكنيسة لأولادها لكي يستشهدوا درس "العفة" إن الشخص العفيف الطاهر يستطيع أن يستشهد بينما الشخص الواقع في شهوات الجسد لا يستطيع لأن شهوات جسده تذله. إن الجيل الإباحي لايمكن أن يكون جيل شهداء وإذا فسد الخُلق أغلق طريق الاستشهاد لأن الإنسان الذي لا يستطيع أن يترك شهوة الجسد كيف يستطيع أن يترك الجسد كله ويستشهد؟
** الدرس الثالث وهو الأهم والذي علمته الكنيسة لأولادها لكي يستشهدوا وهو "المحبة الكاملة لله" هذه المحبة التي استطاعت أن تسيطر على محبة العالم وعلى الجسد وشهوة الجسد فعند هذه المحبة يصبح الله – بالنسبة للناس– هو الكل في الكل والناس في عصر الشهداء كانوا يحبون الله بطريقة تفوق الوصف وتسمو عن التفكير لقد كان الله يشغل كل العقل وكل الفكر وكل الحياة.
** الدرس الرابع الذي علّمته الكنيسة لأولادها لكي يستشهدوا هو "درس الشجاعة" فقد أمدت الكنيسة أولادها بالشجاعة والجرأة والقلب القوي الذي لا يخاف ولم يكن أحد يخجل من أن يعلن إيمانه أمام الكل بشجاعة وبلا خوف وعلى نحو ما قال عنه داود" تكلمت بشهادتك أمام الملوك ولم أخز".
الدرس المهم في عيد النيروز هو أن نعيش بروح آبائنا بروح المسيحية الزاهدة الناسكة التي لا تحب العالم وتترك كل شيء من أجل الله وتفكر باستمرار في الحياة الأبدية وتعيش في نقاوة قلب وطهارة وعفة وشجاعة.
وتحت عنوان "سنة الشهداء لعصر الشهداء ولكنيسة الشهداء" كتب نيافة الأنبا غريغوريوس عن النيروز قائلاً: من مفاخر عهد الشهداء في مصر أنهم كانوا أحياناً يخرجون زرافات وجماعات إلى ساحة الاستشهاد يرتلون بتراتيل تشحذهم إيماناً وشجاعة وصموداً ويهرولون نحو الولاة والحكام يمدون لهم رقابهم ببسالة وجرأة أذهلت مضطهديهم وكم كانت عصور الاضطهاد فرصة مباراة يبرز فيها الإيمان واليقين بالحياة بعد الموت...
وكأن لسان حال كل منهم يقول "أحتمل هذه المحن غير أني لا أستحيي بها لأني عالم بمن أمنت وموقن أنه قادر على أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم" 2 تيموثيئوس 1:12 ويردد بقلبه قبل لسانه إن ملك العالم إذا متنا في سبيل شريعته فسيقيمنا لحياة أبدية" 2. المكابيين 7 :9".
وما أروع ما ترك لنا التاريخ من آيات البطولة في سير الشهداء الأطهار وفي مدينتيّ أخميم وإسنا على الخصوص تراث جميل ومجيد لأعمال الشهداء المسيحيين الأبطال بصورة لابد أن تلهب مشاعر الناس وخيالهم في كل العصور والعهود. وقد صدق على كل من مدينتيّ أخميم وإسنا أنهما "مدينة الشهداء" لا بمعنى أنهما وحدهما دون غيرهما من مدن مصر قد قدمتا أكبر عدد من الشهداء ولكن لأن في كل منهما صوراً بارزة لبطولة إيمانية غطت كل صور البطولة التي عرفها الناس من قبل ومازال في أخميم ساحة باقية أمام كنيسة القديس أبي سيفين العتيقة الشهيرة تحتفظ إلى اليوم باسم " ساحة الشهداء" . وقد بلغ من افتخار المسيحيين بالاستشهاد أنهم كانوا يعتبرونه إكليل فخار وشرف حتى لأطفالهم الرضع فكانوا يرسمون علامة الصليب بالوشم وذر النيلح على أيدي الأطفال منذ الأيام الأولى لولادتهم حتى إذا ما قتل الوالدون كانت علامة الصليب الموشومة على يد الطفل الرضيع شهادة ناطقة بمسيحيته فيكون مصيره مصير والدته ووالده اللذين قتلا من قبله فإذا نجا الطفل من القتل دلته علامة الصليب الموشومة على يده عندما يكبر على أنه من أتباع المسيح الذين أتخذوا صليب سيدهم شعاراً لهم وعلماً لمملكة المسيح الروحية التي انضموا تحت لوائها. ولقد بهر الوثنيون أنفسهم بصور الشجاعة الإيملنية التي برزت لا في الكبار فقط من رجال ونساء شبان وشابات بل حتى في الأطفال الصغار ولعل من بينهم الطفل "قرياقوص" الشهيد الذي كان في الثالثة من عمره وصمد أمام التعذيبات بصورة تستدر الدمع من العيون التي لا تعرف البكاء، هذا هو الشهيد الطفل الذي تقيم له الكنيسة احتفالات بعيد استشهاده في بعض الكنائس المقامة على اسمه وليس غريباً أن مدينة "أبو قرقاص" في صعيد مصر "بمحافظة المنيا" ترجع تسميتها إلى "أبا قرياقوص الشهيد" وكانت نتيجة طبيعية لهذا الانبهار بشجاعة الشهداء وصدق إيمانهم أن ينضم كثيرون من الوثنيون إلى دين المسيح ويؤمنوا وينالوا إكليل الشهادة مع الشهداء المسيحيين.
"النيروز عيد الازدهار" مقال وصفي جميل للسيد نبيل عزيز عبد الملك يقول فيه : في الحادي عشر من شهر سبتمبر من العام الميلادي يحتفل الأقباط برأس السنة القبطية..عيد النيروز وهو عيد الشهداء الأطهار ويوافق هذا اليوم في التقويم القبطي اليوم الأول من شهر توت. والسنة القبطية أصلاً هى السنة المصرية لفظاً ومعنى بموجبها قسم أجدادنا المصريون القدماء الزمن منذ الألف الرابع قبل ميلاد المسيح وقبل أن يهتدي أي شعب أخر إلى معرفة تقويم ما وقد استخدموا هذا التقويم في تأريخ أحداثهم وفي تحديد مواقيت نشاطاتهم المتنوعة وأهمها الزراعة فدلوا بذلك على وعيهم الباكر بقيمة الزمن في حياتهم...
ارتبطت السنة المصرية "رنبت" في بدايتها ببداية مجيء مياه فيضان النيل إلى –منف- عاصمة البلاد إذ لاحظ الفلكيون المصريون عبر السنين أن بشائر الفيضان تأتي في ذات اليوم الذي يظهر فيه نجم الشعري اليمانية الذي عرفوه باسم "سبدت".
والجدير بالذكر أن اللفظ "رنبت" الذي استخدمه المصريون للدلالة على كلمة – سنة- يرجع أنه مشتق من الكلمة –رنبي– بمعنى المياه الطازجة إشارة إلى مياه الفيضان السنوي وهناك مشتقات أخرى من هذه الكلمة بمعنى الشباب والتجديد والفتوة وما إلى ذلك من معان متصلة... كل هذا يشير بجلاء إلى أهمية الفيضان في حياة المصريين بل وفي استمرارها وتجديدها.
ولا تزال الشهور المصرية القبطية التي ورثناها فيما ورثناه من لغتنا وعاداتنا مستخدمة في الريف المصري حتى الآن على الرغم من تغيير أسلوب الزراعة بعد بناء سد أسوان وقد كتبت هذه الشهور في العربية على النحو التالي:
• توت: هو اسم رب الكتابة والحساب والحكمة.
• بابه: عيد معبد الكرنك.
• هاتور: اسم الإلهة حتحور ربة الجمال.
• كيهك : الروح الأولى فوق الأرواح.
• طوبة : أصلها طاعبت أي الذرة.
• أمشير: هو اسم رب الزوابع.
• برمهات :- عيد الملك أمنحوتب
• برمودة : عيد ربه الحصاد.
• بشنس: عيد المعبود خونسو.
• بؤونة : عيد وادي الملوك أنة.
• أبيب : نسبة إلى المعبود أبيس.
• مسرى: ولادة رع.
وكان قدماء المصريين يحتفلون في كل شهر من تلك الشهور بعيد من أعياد أربابهم.
والحديث عن عيد النيروز حديث ينعش الروح فعلى الرغم من أن الكنيسة الجامعة شهدت اضطهادات مستمرة منذ أن تكونت بل إن رأسها –وهو المسيح له المجد- كان باكورة المضطهدين والشهداء إلا أن ما نالته الكنيسة القبطية الوطنية من اضطهاد فاق كل كأس شربته الكنائس الأخرى مجتمعة... لذلك فلا عجب أن تتخذ من تاريخ اعتلاء الطاغية دقلديانوس لعرش الإمبراطورية الرومانية في سنة 284 م وهو الذي أنزل بها أعنف المذابح بدءاً لتقويمها.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010