حول شريعة عين بعين و سن بسن

س: ما ذا قصد الله بشريعة "العين بالعين والسن بالسن" في الناموس؟ وكيف أكمل المسيح هذه الشريعة في الإنجيل؟

ج: مكتوب في سفر الخروج "وإذا تخاصم رجالٌ وصدموا امرأةً حُبلَى فسقط ولدها ولم تحصل أذية يُغرَم كما يضع عليهِ زوج المرأة ويدفع عن يد القضاة. وان حصلت اذيَّة تُعطى نفساً بنفسٍ وعيناً بعينٍ وسنًّا بسنٍّ ويداً بيدٍ ورجلاً برجلٍ وكيًّا بكيٍّ وجرحاً بجرحٍ ورضًّا برضٍّ."

هنا يضع الله شريعة لحماية المظلومين الضعفاء من الأذى الذي يقع عليهم من الأقوياء، وإنذار الأقوياء أن الله موجود وهو يحمي الضعفاء وينتقم من الأقوياء، والأقوياء هنا هم الرجال المتخاصمين، والضعيفة المظلومة هي المرأة الحبلى التي صدمها الرجال المتخاصمين والشريعة في العهد القديم تقول "إنه إن لم تحصل أذية يغرم الأقوياء كما يضع عليهم زوج المرأة ويدفع عن يد القضاة" لكن إن حصلت أذية فيكون العقاب مساو للأذية.

وهنا أراد الرب أن يعلم شعبه أن لا يتمادوا في العقاب، وهذا ما يحدث كثيرا في أوقات الغضب والانفعال، لذلك حدد الرب لشعبه في العهد القديم أن العقاب يكون مساو للخسارة ولا يتعداها، لذلك يقول "عينا بعين وسنا بسن ويدا بيد ورجلا برجل وكيا بكي وجرحا بجرح ورضا برض."



س: لكن هل شريعة العين بالعين والسن بالسن هي في حالة المرأة الحبلى فقط؟

ج: كلا، ففي سفر اللاويين في التوراة يعمم الرب هذه الشريعة فيقول "وإذا أحدث إنسانٌ في قريبهِ عيباً فكما فعل كذلك يُفعَل بهِ. كسرٌ بكسرٍ وعينٌ بعينٍ وسنٌ بسنٍّ. كما أحدث عيباً في الإنسان كذلك يُحْدَث فيه."

وهنا يؤكد الله أن ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا، فالشر يؤذي الشرير لعل الشعب يتحذر ويبتعد عن الشر وشبه الشر أيضا. ويتم تنفيذ هذه الأحكام عادة بواسطة القضاة ، وكما قرأنا في سفر الخروج في حالة المرأة الحبلى ونقرأ عن القضاة أيضا في سفر التثنية في التوراة. "إذا قام شاهد زورٍ على إنسانٍ ليشهد عليهِ بزيغٍ يقف الرجلان اللذان بينهما الخصومة أمام الرب أمام الكهنة والقضاة اللذين يكونون في تلك الأيام. فإن فحص القضاة جيّداً وإذا الشاهد شاهدٌ كاذبٌ قد شهد بالكذب على أخيهِ فافعلوا بهِ كما نوي أن يفعل بأخيهِ. فتنزعون الشرَّ من وسطكم. ويسمع الباقون فيخافون ولا يعودون يفعلون مثل ذلك الأمر الخبيث في وسطك. لا تشفق عينك. نفسٌ بنفسٍ. عينٌ بعينٍ. سنٌّ بسنٍّ. يدٌ بيدٍ. رجلٌ برجلٍ"



س: ولكن هل هذه الشريعة كانت تنفذ باستمرار في العهد القديم؟

ج: كلا، وتنفيذها كان في حالات خاصة، ونادرة جدا يتدخل فيها الله بالحكم ويستخدم الرؤساء أو الملوك في تنفيذها مثلما استخدم "يشوع" في إبادة بيت "عخان بن كرمي" مكدر إسرائيل، أو استخدم "داود" في قتل الغلام الذي شهد عن نفسه أنه قتل "شاول" ملك إسرائيل، وأيضا في قتل الرجلين اللذين قتلا "ايشبوشث" الذي ملك على إسرائيل بعد "شاول" أبيه.



س: إذا لماذا أعطى الله هذه الشريعة لليهود والله يعلم أنه من الصعب جدا تنفيذها؟

ج: كما ذكرنا سابقا أنه لطفولة البشرية في العهد القديم، لذلك لا يستطيع الله أن يعطيهم الحق الكامل لكنه يعطيهم شريعة تقربهم للحق وتقودهم إليه، ففي هذه الشريعة المعطاة لهم علمهم الله أن الشر مكلف والخطية خاطئة جدا ومؤذية للإنسان، وعلمهم أيضا عدم التمادي في الانتقام، وعلمهم الخضوع للكهنة والقضاة لأنهم يمثلون الرب، وعلمهم أن الله يحمي الضعفاء ويعاقب المذنبين وهكذا إلى أن جاء ملء الزمان، … و"أخلى -المسيح- نفسه آخذا صورة عبد صائراً في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب." فدفع ثمن خطايانا وصالحنا مع الله بدم الصليب، وإذا آمنا به وبكل ما عمله لأجلنا لفدائنا وتبريرنا وتقديسنا، انسكبت محبة الله في قلوبنا بالروح القدس، فصرنا شركاء الطبيعة الإلهية، وتمكن المسيح أن يعلمنا الوصية الكاملة بقوله لنا "سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً." وهكذا نقرأ عن هذا الموضوع أيضاً في العهد الجديد "لا تجازوا أحداً عن شرّ بشرٍّ." "لا تنتقموا لأنفسكم أيُّها الأحباءُ بل اعطوا مكاناً للغضب . لأنهُ مكتوبٌ لي النقمة أنا أجازي يقول الربُّ. فإن جاع عدوُّك فاطعمهُ. وإن عطش فاسقهِ. لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نارٍ على رأسهِ. لا يغلبنَّك الشرُّ بل اغلب الشرَّ بالخير"

فهذا هو الإيمان أن يثق الإنسان في سيادة الله على الشر والأشرار ويسلم نفسه لله القادر أن ينصف المظلومين كما قال موسى للشعب القديم وهم خارجون من أرض مصر: "لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعهُ لكم اليوم... الرب يقاتل عنكم وانتم تصمتون." وهذه هي الحياة المسيحية التي لا ينتقم فيها الإنسان لنفسه بل يترك النقمة للرب الكاشف القلوب والمختبر الكلى، وكل ما علينا أن نفعله تجاه الشر هو ان نفعل الخير فبذلك لا يغلبنا الشر فيضيع أجرنا لكن نغلب الشر بالخير فننال اجراً تاماً.

وقد قدم المسيح له كل المجد أعظم مثال في الانتصار على الشر بالخير، فحينما صلبوه قال يسوع "يا أبتاهُ اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون." وكما علمنا المسيح بسلوكه وكلامه ينبغي أن نفعل نحن أيضا هكذا. آمين
س: قرأنا عن تكميل المسيح لشريعة عين بعين وسن بسن إذ أكملها المسيح قائلا لنا "لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا." والسؤال الآن ألا نخاف أن يتقوى الشر من طاعتنا لهذه الوصية؟

ج: على العكس تماما. فالشر يتقوى حينما تتفاعل معه بالشر، كالنار المشتعلة تتقوى بالكبريت والوقود، ولكن الشر يطفأ بقوة الله وطاعتنا للوصية الإلهية. ويقول الكتاب المقدس في أمثال سليمان الحكيم "لا تقل إني أجازي شراً. انتظر الربَّ فيخلّصك." وفي العهد الجديد مكتوب "انظروا أن لا يجازي أحدٌ أحداً عن شرٍ بشرٍّ بل كلَّ حينٍ اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع.".



لكن الشر كثيرا ما يظهر نفسه قويا ويحاول أن يقنعنا أن نلجأ إليه للدفاع عن أنفسنا والانتقام من أعدائنا. لكن هذه خدعة شيطانية، فالشر ينبع من الشيطان، والخير ينبع من الله ومن هو الأقوى، الله أم الشيطان؟ إليك ما قاله المسيح عن مملكة الشيطان في إنجيل لوقا "حينما يحفظ القويُّ دارهُ متسلحاً تكون أموالهُ في أمانٍ. ولكن متى جاءَ مَنْ هو أقوى منهُ فإنهُ يغلبهُ وينزع سلاحهُ الكامل الذي اتَّكل عليهِ ويوزّع غنائمهُ."



ومعنى قول المسيح عن الشيطان "حينما يحفظ القويُّ دارهُ متسلحاً تكون أموالهُ في أمانٍ." أي حينما يقنع الشيطان أولاده أن الشر هو السلاح الذي يجب أن يتسلحوا به، فحينئذ تكون أموال الشيطان أي ممتلكات الشيطان في أمان، فأولاده يخضعون له، ويسيرون إلى الهلاك وهم مخدوعون "بكل خديعة الإثم في الهالكين" لكن متى جاء من هو أقوى منه، وليس أقوى من الشيطان إلاّ المسيح، الذي "أخلى نفسهُ آخذاً صورة عبدٍ صائراً في شبه الناس. وإذ وُجِد في الهيئَة كإنسانٍ" حاربه الشيطان بكل قوته وانتصر المسيح على الشيطان في كل المعارك ، وحينما قربت المعركة الحاسمة في الصليب أعلن يسوع أن "رئيس هذا العالم يأتي وليس لهُ فيَّ شيءٌ." وانطلق من العلية إلى جثسيماني إلى الصليب.



وفي معركة الصليب نرى فيها قوة الشر وقوة الخير، ولا توجد معركة في الوجود تجلى فيها الشر وقوته والبر وقوته قدر تجلي القوتين في معركة الصليب. فقد أظهر الشيطان كل قوته إذ استطاع بالكراهية والحسد والمكر والخبث أن يقتل المسيح، الله الذي "ظهر في الجسد" ويقينا امتلأ الشيطان بالغرور والتعالي لفاعلية قوته حينما صرخ المسيح على الصليب "إلهي إلهي لماذا تركتني." وتصور الشيطان أن فاعلية قوة الشر قد اتسعت جداً فلم تكتفِ بصناعة الشقاقات والعثرات بين الإخوة لكنها امتدت إلى الذات الإلهية نفسها، فهوذا ابن الله الوحيد يصرخ على الصليب الهي الهي لماذا تركتني، وهذا كان أكثر جدا مما يحلم الشيطان أن يفعله بقوة شره.



لكن من الناحية الأخرى، نرى الله يتجلى في "قوة البر والحب" في الصليب كما هو مكتوب "ولكن الله بيَّن محبَّتهُ لنا لأنهُ ونحن بعدُ خطاةٌ مات المسيح لأجلنا." "لأنهُ هكذا أحبَّ الله العالم حتى بذل ابنهُ الوحيد لكي لا يهلك كلُّ مَنْ يؤمن بهِ بل تكون لهُ الحياة الأبديَّة."



فهناك على الصليب قد جعل المسيح نفسه "ذبيحة إثم" "والرب وضع عليه إثم جميعنا." ولأنه "حمل الله الذي يرفع خطية العالم." كان لابد له أن يدفع ثمن خطايانا كاملا حتى يبررنا تبريرا كاملا "لأن أجرة الخطية هي موت." والموت الحقيقي هو ترك الله للإنسان. فقد ترك الآب شخص المسيح على الصليب باعتباره ممثلا للجنس البشري حاملا خطايا البشر أجمعين، "لأنهُ جعل الذي لم يعرف خطيَّةً خطيَّةً لأجلنا لنصير نحن برَّ الله فيهِ" وكما هو مكتوب في الرسالة إلى العبرانيين "فإن الحيوانات التي يُدخَل بدمها عن الخطية إلى الأقداس بيد رئيس الكهنة تُحرَق أجسامها خارج المحلَّة. لذلك يسوع أيضاً لكي يقدّس الشعب بدم نفسهِ تأَلَّم خارج الباب." أي خارج أورشليم، ومن هنا نعرف أن كل ما جرى على الصليب كان "بمشورة الله المحتومة وعلمهِ السابق" كما هو مكتوب "وأما الله فما سبق وأنبأَ بهِ بأفواه جميع أنبيائهِ أن يتأَلم المسيح قد تَمَّمهُ هكذا." ومكتوب أيضاً "لأنهُ بالحقيقة اجتمع على فتاك القدوس يسوع الذي مسحتهُ هيرودس وبيلاطس البنطي مع أممٍ وشعوب اسرائيل ليفعلوا كل ما سَبَقَتْ فعينت يدك ومشورتك أن يكون."وحينما ننظر إلى معركة الصليب في مساء يوم الجمعة العظيمة، نسأل أنفسنا من هو الأقوى، الله أم الشيطان؟ ربما نتحير لكن حينما نأتي إلى أحد القيامة وننظر إلى معركة الصليب لنرى من هو الأقوى، الله أم الشيطان؟ نرى الأمر واضح كل الوضوح، نجد أن الشر والشيطان قد انتصروا انتصارا ظاهريا وشكليا ومبدئيا في تعيير المسيح وصلبه، لكن في النهاية نجد أن الله هو المنتصر الحقيقي في صلب المسيح وقيامته، وقيامة الكنيسة مع المسيح مغفورة الإثم مبررة ببر المسيح جالسة معه في يمين العظمة في الأعالي. كما هو مكتوب "الله الذي هو غنيٌّ في الرحمة من أجل محبَّتهِ الكثيرة التي أحبَّنا بها ونحن أمواتٌ بالخطايا أحيانا مع المسيح. بالنعمة أنتم مخلَّصون. واقامنا معهُ وأجلسنا معهُ في السماويَّات في المسيح يسوع"



هكذا نأتي إلى ختام تأملنا فنقول أن قوة الشر هي من إبليس الذي هو "كأسدٍ زائرٍ يجول ملتمساً من يبتلعهُ هو." وهنا نلاحظ أن الكتاب يقول "كأسد" وليس "أسد" أي أن ابليس هو شبه أسد، وهذا انتصار الشيطان وانتصار الشر فهو في الحقيقة "شبه انتصار" أما المنتصر الحقيقي فهو "الأسد الذي من سبط يهوذا" الذي هو المسيح البار القدير القدوس.



لذلك إن كنت مازلت مخدوعا بقوة الشر ومازلت تتسلح بالشر فتتوهم الانتصار، إعلم أن النهاية الفعلية للتسلح بالشر هي الفشل والهزيمة. لكن إن فتح الرب عينيك على نعمة المسيح المخلصة، واتحدت بشخص المسيح، فستكتشف قوة البر والقداسة والوداعة في كل معارك الحياة، وستختبر قوة الانتصار الحقيقي حتى وسط صرخات الأشرار الذين يتوهمون انتصار الشر، وستختبر يوما فيوما صدق المكتوب "لا يغلبنَّك الشرُّ بل اغلب الشرَّ بالخير" وكما قال داود "لا تَغَرْ من الأشرار ولا تحسد عمَّال الإثم فإنهم مثل الحشيش سريعاً يُقطَعون ومثل العشب الأخضر يذبلون. اتكل على الرب وافعل الخير. اسكن الأرض وارعَ الأمانة. وتلذَّذ بالرب فيعطيَك سُؤْل قلبك. سلّم للرب طريقك واتكل عليهِ وهو يُجري. ويُخرِج مثل النور برَّك وحقك مثل الظهيرة. انتظر الربَّ واصبر لهُ ولا تَغَر من الذي ينجح في طريقهِ من الرجل المجري مكايد. كُفَّ عن الغضب واترك السخط ولا تغر لفعل الشر. لأن عاملي الشر يُقطَعون والذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض. بعد قليل لا يكون الشرير. تطَّلع في مكانهِ فلا يكون. أما الودعاءُ فيرثون الأرض ويتلذذون في كثرة السلامة." آمين
س: مكتوب في سفر المزامير "ليتك تقتل الأشرار يا الله. فيا رجال الدماء ابعدوا عني. الذين يكلمونك بالمكر ناطقين بالكذب هم أعداؤك. ألا أبغض مبغضيك يا رب وأمقت مقاوميك. بغضا تاما أبغضتهم. صاروا لي أعداءً" ما معنى هذه الأقوال المكتوبة في العهد القديم، وهل أكملها المسيح له المجد في العهد الجديد؟

ج: هنا نرى داود يبغض أعداؤه باعتبار أنهم مبغضوا الرب ويطلب من الله أن يقتل الأشرار وهذه الفكرة نشأت تلقائيا منذ إغواء الشيطان لحواء وسقوط الإنسان إذ انقسم البشر إلى معسكرين، معسكر أولاد الله المتكلين عليه والمستمتعين بنعمته مثل هابيل وأخنوخ ونوح وإبراهيم وغيرهم، والمعسكر الآخر هو معسكر أبناء الشيطان المتكلين على ذواتهم والمقاومين لعمل الله مثل قايين الذي "قام على هابيل أخيهِ وقتلهُ." وسائر البشر أيام نوح الذين لم يصدقوا الله فهلكوا وأهل سدوم وعمورة الذين كثر صراخهم وخطيتهم قد عظمت جداً، وغير ذلك من الخطاة الأشرار الذين بقوتهم ومكرهم وفتنتهم يبذلون كل الجهد لإبعاد أولاد الله عن الحياة المقدسة في إرضاء الله وتمجيد الله في سلوكهم، ولكون "المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيّدة." ولأن الشعب في القديم لم يحصل على شركة الطبيعة الإلهية "لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطيَ بعدُ. لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعدُ." فكما نعلم أن الروح القدس أعطي للكنيسة في يوم الخمسين، أي بعد خمسين يوما من قيامة المسيح. فلذلك كانت دائما المعاشرات بين أولاد الظلمة وأبناء النور تتسبب في إبعاد الشعب القديم عن القداسة مما يوقعهم تحت الدينونة. وكم من مرة كان ابتعاد الشعب شديدا وكانت الدينونة قاسية. وإن كانت هذه الوصية "لا تضلُّوا. فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيّدة. اصحوا للبرّ ولا تخطئُوا" مكتوبة لإنذارنا نحن في العهد الجديد فكم وكم يكون تأثير المعاشرات الردية على الشعب في العهد القديم.



فمثلا حينما أقام إسرائيل في شطيم أثناء رحلتهم لأرض كنعان كان بلعام بن بعور أحد الأنبياء الكذبة يعلم بالاق بن صفور ملك موآب "...أن يلقي معثرةً أمام بني إسرائيل أن يأكلوا ما ذُبح للأوثان ويزنوا." ولكون شعب الله لم يتقوى بعد حتى يتمكن من مقاومة هذه العثرة، سرعان ما سقط فيها كما هو مكتوب في سفر العدد "وأَقام إسرائيل في شِطِّيم وابتدأَ الشعب يزنون مع بنات موآب. فدعَونَ الشعب إلى ذبائِح آلهتهنَّ فأكل الشعب وسجدوا لآلهتهنَّ. وتعلَّق إسرائيل ببعل فغور. فحمي غضب الربّ على إسرائيل. فقال الربُّ لموسى خذ جميع رؤُوس الشعب وعلّقهم للربّ مقابل الشمس فيرتدَّ حمو غضب الربّ عن إسرائيل. فقال موسى لقضاة إسرائيل اقتلوا كلُّ واحدٍ قومَهُ المتعلّقين ببعل فغور."

وهنا نرى أن ألوف من إسرائيل ماتوا "اربعة وعشرين ألفاً" لانخداعهم بمكر الأشرار، لذلك لكي يحمى الله شعبه من العثرة والخطية والهلاك كان يسمح لهم بإبغاض مبغضي الرب لأن هذا هو الطريق الوحيد ليعزل الرب شعبه عن الأمم الشريرة وليتمكن الرب من رعاية شعبه ليقودهم إلى المراعي الخضراء ومياه الراحة، ومن هنا نفهم أمر الرب المتكرر لشعبه في العهد القديم بتحريم الشعوب الشريرة الساكنة في الأرض التي أعطاها الرب لشعبه. ويفسر لنا الله سبب هذا التحريم في قوله لشعبه "لكي لا يعلّموكم أن تعملوا حسب جميع أرجاسهم التي عملوا لآلهتهم فتخطئُوا إلى الرب إلهكم" بل بلغ حرص الرب على حماية شعبه من الفساد أنه أمر بإبادة الأفراد بل والمدن أيضاً التي من بني اسرائيل الذين يحاولون أن يغووا الشعب أن يتعبد لإله غريب. ومن هنا نفهم أن التحريم ليس تمييزاً عنصرياً بين الشعوب فالله خالق كل إنسان على صورته وهو الذي بارك نوح وبنيه في العهد القديم. لكن التحريم إنما هو إجراء ضروري لحماية شعب الله من العثرة والخطية والهلاك.



أما في العهد الجديد فقد تكملت العلاقة بين الشعب والله على أساس الفداء والمصالحة، وقد أعلن الرب يسوع أساس العهد الجديد بقوله "لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفَك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا."

فبدم المسيح تصالح الإنسان مع الله وخلص وتبرر فسكن روح الله في الإنسان فصار الإنسان شريك الطبيعة الإلهية وتقوى بالنعمة وأخذ من ملء المسيح ونعمة فوق نعمة، وله أن يمتلئ من الروح القدس منتصرا على كل التجارب والمكايد. ولذلك أعطانا المسيح في العهد الجديد أن نصبح ملحا للأرض ونورا للعالم فنضئ بينهم كأنوار في العالم، نقدم لهم نور المسيح الذي زرع فينا بالروح القدس. لذلك أوصانا المسيح قائلا "سمعتم أنهُ قيل تحبُّ قريبك وتبغض عَدُوَّك. وأما أنا فأقول لكم أَحِبُّوا أعداءَكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغِضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئُون إليكم ويطردونكم. لكي تكونوا أبناءَ أبيكم الذي في السموات. فإنهُ يشرق شمسهُ على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين. لأنهُ إن أحببتم الذين يحبونكم فأيُّ أجرٍ لكم. أَليس العَشَّارون أيضاً يفعلون ذلك. وإن سلَّمتم على اخوتكم فقط فأيَّ فضل تصنعون. أَليس العشَّارون أيضاً يفعلون هكذا. فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل."

فالآن إن كنا نحب قريبنا ونبغض عدونا فأي فضل لنا فالقتلة والزناة والأشرار وكافة الخطاة يحبون أقرباءهم ويبغضون أعداءهم، فقبل العهد الجديد والإنجيل الذي هو الشريعة الكاملة لم يتمكن الله من إعطاء وصيته كاملة للشعب لأن الشعب كان طفلا في إدراكه وفي إمكانياته، فحذره الرب من مكايد الأعداء وحماه منهم بعزله عنهم، عزلاً جغرافياً مادياً كاملاً بتحريمهم وإبادتهم.

لكن في العهد الجديد فقد قدّم الله لنا كل إمكانيات الخلاص والنضوج والقوة الروحية في الصليب الذي هو قوة الله للخلاص لذلك أعطى الرب للمؤمنين الوصية الكاملة وهدفها "فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل." وهذا الكمال يظهر في حياتنا بأن نحب أعداءنا ونبارك لاعنينا ونحسن إلى مبغضينا لكي نكون أبناء أبينا الذي في السموات.



وجدير بالذكر أن محبة أعداءنا لا تتعارض مع تحذير الرب لنا في العهد الجديد أيضاً الذي سبق ذكره وهو "لا تضلُّوا. فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيّدة. اصحوا للبرّ ولا تخطئُوا" فنحن نحب الأعداء، لكن نحترص جداً لئلا نعطيهم الفرصة لكي يفسدوا أخلاقنا بعشرتهم لنا، وأيضاً نبذل كل الجهد في محبتنا لهم لنقدم لهم رسالة الخلاص لعلهم يخلصوا فيستمتعوا بنعمة الله الغنية. وإن لاحظنا أن أي جماعة شريرة تؤثر على شركتنا وعلاقتنا بالرب فعندنا الأمر الإلهي بالانعزال المعنوي عنهم كما هو مكتوب "لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسُّوا نجساً فأقبلكم وأكون لكم أباً وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الربُّ القادر على كل شيءٍ" فالانعزال في العهد القديم كان انعزالاً مادياً يصل إلى الإبادة والتحريم، أما الانعزال في العهد الجديد فهو انعزالٌ معنويٌ يتم بالخروج من وسط الجماعة المؤثرة على صدق أمانتنا وعلاقتنا بالرب.

وفي الختام نقول "فإذ لنا هذه المواعيد أيُّها الأحبَّاء لنطهّر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكمّلين القداسة في خوف الله" ولإلهنا كل المجد إلى الأبد آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010