قصة النعجة الضائعة



المقدمة

يُخْبِرُنا الكِتَابُ المُقَدَّسُ كَيْفَ أَرْسَلَ اللهُ ابنَهُ يَسُوعَ لِيُرِيَنَا مَنْ هُوَ اللهِ ، وَيُعَلِّمَنَا كَيْفَ نَدْخُلُ مَلَكُوتِهِ .

القِصّةَ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْكَ قِصَّةٌ رَوَاهَا يَسُوعُ لِيُوضِحَ لِلشَّعْبِ أَنَّهُمْ سِيِكُونُونَ جَمِيعاً مِثْلَ الخَرُوفِ الضَّائِعِ إِلى أَنْ يَدْخُلُوا مَلَكُوتَ اللهِ .

تَجِدُ هذِهِ القِصَّةِ مُفَصَّلَةً فِي كِتابِكَ المُقَدَّسِ ، في الفَصْلِ الخَامِسَ عَشَرَ مِنْ إنْجِيْلِ لُوْقا .

حَدَثَ لِيَسُوعَ يَوْماً أَنء سَمِعَ قَادَةَ الشَّعْبِ وَمُعَلِّمِي الشَّرِيعَةِ يَتَذَمَّرُونَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ :

" مَا بَالُ يَسُوعَ يَقْضِي كَامِلَ وَقْتِهِ مَعَ عَامَّةِ الشَّعبِ ، وَأَكْثَرُهُمْ مِنَ الأَشْقِيَاءِ ، وَلاَ يَفْطَنُ لِمَقَامِنَا ، وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالاهْتِمَامِ وَالتَّقْدِيرِ ؟ "

قَرَأَ يَسُوعُ عَلَى وَجَوهِهِمْ مَلاَمِحَ الغُرُورِ ، وَلاَحَظَ ثِيَابَهُمُ النَّاعِمَةَ ، وَعَلِمَ أَنَّهُمْ لاَ يَهْتَمُّونَ كَثِيراً بِتَعَالِيمِهِ ، بَلْ لاَ رَغْبَةَ لَهُمْ إِلاَّ أَنْ يَجَادِلُوهُ لِيَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ .

وَأَلْقَى يسُوعُ نَظَرَهُ عَلَى مَنْ أَحَاطَ بِهِ مِنْ عَامَّةِ الشَّعْبِ فَوَجَدَهٌمْ تَعِبِينَ ، جَائِعِينَ ، لاَبِسِينَ ثِيَاباً بََالِيَةً ، مَحْرُومِينَ مِنْ كُلِّ عِنَايَةٍ وَعَطْفٍ . وَكَانُوا يَتْبَعُونَ يَسُوعَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلى مَدِينَةٍ ،

بِالرُّغْمِ مِن حِرْمَانِهِمْ ، وَيَستَمِعُونَ بِانْتِبَاهٍ إِلى كُلِّ كَلِمَةٍ يَنْطِقُ بِهَا .

حِينَئِذٍ تَوَجَّهَ يَسُوعُ إِلى الرُّؤَسَاءِ وَالمُعَلِّمِينَ ، وَقَالَ لَهُمُ : " اسْمَعُوا هذِهِ القِصَّةَ وَحَاوِلُوا أَنْ تَفْهَمُوهَا ! "

كَانَ لأَحَدِ الرُّعَاةِ قَطِيعٌ يَرْعَاهُ في التِّلاَلِ ، في جِوَارِ بُحَيْرَةِ الجَلِيلِ . وَكَانَ قَدْ قَضَى حَيَاتَهُ كُلَّهَا في الرِّعَايَةِ . وَيَعْلَمُ كُلَّ العِلْمِ مَا يَلْزَمُ الخِرَافَ .

وَعَمِلَ الرَّاعي وِسْعَهُ في خِدْمَةِ القَطِيعِ ، حَتَّى نَمَا وَازْدَادَ عَدَداً ، فَبَلَغَ المِئَةَ . وَكَانَتْ كُلُّ خِرَافِهِ تَتَمَتَّعُ بِصِحَّةٍ جَيِّدَةٍ .

وَعَرَفَهَا الرَّاعي مَعْرِفَةً تَامَّةً . وَتَنَبَّهَ لِكُلِّ اضْطِرَابٍ في مِشْيَتِهَا ، وَلِكُلِّ خَدْشٍ في جِلْدِهَا .

وَفي صَبَاحِ يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ دَاخَلَهُ الاضْطِرابُ ، لأَنَّ خَرُوفاً مِنَ القَطِيعِ بَاتَ مَفْقُوداً .

وَفَكَّرَ أَوَّلاً أَنَّهُ أَخْطَأَ تَعْدَادَ القَطِيعِ . فَعَادَ إِلَيْهِ مَرَّةً ثَانِيَةً وَركَّزَ انْتِبَاهَهُ ، فَثَبَتَ لَهُ أَنَّ عَدَدَ الخِرَافِ ، في الحَظِيرَةِ ، هُوَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ، وَلَيْسَ مِئَةً .

فَقَالَ يَسُوعُ لِرُؤَسَاءِ الشَّعْبِ : " مَا رَأْيُكُمْ ؟ كَيْفَ تَصَرَّفَ الرَّاعي أَمَامَ هذِهِ الخِسَارَةِ ؟ هَلْ قَالَ في نَفْسِهِ : إِنَّ الأَمْرَ لَمُؤْسِفٌ ، وَلكِنَّهُ لاَ يَسْتَحقُّ القَلَقَ وَالمُخَاطَرَةَ ، فَأَكْتَفي بِالتِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ البَاقِيَةِ لي ؟ "

" طَبْعاً ، لاَ ! بَلْ قَامَ وَتَرَكَ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ خَرُوفاً في الحَظِيرَةِ ، وَخَرَجَ لِلْحَالِ ، سَاعِياً وَرَاءَ الخَرُوفِ الضَّائِعِ " .

كَانَ هذَا الرَّجُلُ رَاعِياً صَالِحاً ، يَعْرِفُ حَقَّ المَعْرِفَةِ أَيَّ خَرُوفٍ ضَاعَ ، فَلَمْ يَقْبَلْ أَنْ يَسْتَرِيحَ قَبْلَ أَنْ يَجِدَهُ .

يَعْرِفُ الرَّاعي جَمِيعَ مُنْعَطَفَاتِ الِبَالِ ، وَيَعْرِفُ الأَمْكِنَةَ الَّتِي تَشْرُدُ فِيهَا الخِرَافُ ، وَالفَجَوَاتش الَّتي تَسْقُطُ فِيهَا عَادَةً .

فَرَاحَ يَبْحَثُ في كُلِّ اتِّجَاهٍ . وَعَادَ إِلى الأمَاكِنِ الَّتي انْزَلَقَتْ فِيهَا رِجْلُهُ ، وَجُرِحَ مِنْ جَرَّاءِ سَقْطَتِهِ ، آمِلاً كُلَّ الأَمَلِ في أَنْ يَعْثُرَ عَلَى خَرُوفِهِ الضَّائِعِ .

وَفي النِّهَايَةِ ، وَجَدَ الخَرُوفَ في رَأْسِ الَجَبَلِ ، فَسَحَبَهُ بِهُدُوءٍ مِنْ حُفْرَةٍ عَمِيقَةٍ سَقَطَ فِيهَا ، وَمَا عَادَ يَقْوَى عَلَى الحِرَاكِ . فََضَمَدَ سَاقَهُ الدَّامِيَةَ .

ثُمَّ رَفَعَهُ الرَّاعي عَلَى كَتِفَيْهِ ، فَلَزَّ الخَرُوفُ بِعُنْقِهِ ، وَنَعِمَ بِالطُّمَأْنِينَةِ .

قَفَلَ الرَّاعِي رَاجِعاً مُتَيَقِّظَ العَيْنَيْنِ ، لأَنَّ الطَّريقَ وَعْرَةٌ . كَانَ اللَّيْلُ قَدْ أَقْبَلَ ، وَالجُوعُ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ . لَقَدْ جَدَّ طُولَ النَّهَارِ وَرَاءَ خَرُوفِهِ الضَّائِعِ ، وَلَمْ يَنْشَغِلْ بِغَيْرِهِ ، وَلَمْ يَتْرُكْ لِنَفْسِهِ لَحْظَةً لِتَنَاوُلِ الطَّعَامِ .

آلَمَتْهُ رِجْلاَهُ مِنِ اصْطِدامِهِمَا بِالحِجَارَةِ المُتَدَحْرِجَةِ في الْمُنْحَدَرِ . وَجَرَّحَتْهُمَا الصُّخُورُ الحَادَّةُ . وَمَعَ ذلِكَ لَمْ يَأْبَهْ ، بَلْ كَادَ يَطِيرُ فَرَحاً ، لأَنَّهُ وَجَدَ خَرُوفَهُ

عَادَ بِالخَرُوفِ المِسْكِينِ الضَّائِعِ إِلى حَظِيرَتِهِ ، وَرَاحَ يَعُدُّ خِرافَهُ مِنْ جَدِيدٍ مُتَنَبِّهاً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا . وَجَاءَتْ كَلِمَاتُهُ الأَخِيرَةُ :

" سَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ ، ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ ، تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ ، مِئةٌ ! "

وَلَمَّا تَثَبَّتَ أَنَّهَا جَمِيعَهَا بِخَيْرٍ ، عَادَ إِلى بَيْتِهِ .

وَفي طَرِيقِهِ إِلَى البَيْتِ ، بَعْدَ حُلُولِ الظَّلاَمِ ، كَان الرَّاعي يَتَوَقَّفُ عِنْدَ عَتَبَةِ بُيُوتِ أَصْدِقَائِهِ وَيُنَادِيهِمْ قَائِلاً :

" وَجَدْتُ خَرُوفي . تَعَالَوْا وَافْرَحُوا مَعي ، لأَنَّني وَجَدْتُ خَرُوفيَ الضَّالَّ ! "

فَرِحَ الأَصْدِقَاءُ وَالأَقَارِبُ جِدّاً ، لأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا كَمْ كَانَ مُهِمّاً الْعُثُورُ عَلَى الخَرُوفِ . فَلَحِقُوا بِهِ كُلُّهُمْ وَشَارَكُوهُ الفَرْحَةَ .

حِينَئِذٍ وَجَّهَ يَسُوعُ كَلاَمَهُ إِلى رُؤَسَاءِ الشَّعْبِ وَمُعَلِّمِيهِ وَقَالَ : " هَلْ فَهِمْتُمْ ؟ إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُشْبِهَ ذلِكَ القَطِيعَ . وَأَنَا هُوَ رَاعي القَطِيعِ ! "

" قدْ يَكُونُ التِّسْعَةُ وَالتِّسْعُونَ مِنْكُمْ آمِنِينَ في الحَظِيرَةِ ، أَمَّا أَنَا فَعَلَيَّ أَنْ أَذْهَبَ في طَلَبِ الوَاحِدِ الَّذِي ضَلَّ .

وَسَيَكُونُ فَرَحٌ عِنْدَ مَلاَئِكَةِ السَّمَاءِ ، كُلَّ مَرَّةٍ أَجِدُ خَرُوفاً مِن خِرَافيَ الضَّائِعَةِ " .

" لَسْتُ رَاعِياً لِسَاعَاتٍ مَعْدُودَةٍ . وَلَسْتُ أَجِيراً لِرِعَايَةِ قَطِيعِ رَجُلٍ آخَرَ . فَإِنَّ الأَجِيرَ لاَ يَكْتَرثُ لأَمْرِ الِخرَافِ وَطُمَأْنِينَتِهَا وَصِحَّتِهَا ، لأَنَّ الخِرَافَ لَيْسَتْ لَهُ " .

" أَمَّا أَنَا فَأَهْتَمُّ بِكُلِّ خَرُوفٍ مِنَ القَطِيعِ . إنَّني أَعْرِفُهَا بِأَسْمَائِهَا وَاحِداً وَاحِداً . وَأَرْعَاهَا في كُلِّ لَحْظَةٍ . وَإِذَا ضَلَّ أَحَدُهَا ، خَرَجْتُ في طَلَبِهِ حَتَّى أَجِدَهُ . بَلْ أَنَا مُسْتَعِدٌ أَنْ أَبْذُلَ نُفْسي عَنْ خْرَافي ، لِكَيْ أُنْقِذَهَا في حَالَةِ الخَطَرِ " .





خاتمة

" من الكتاب المقدّس " سلسلة قصصيّة من 52 رواية للأطفال . كلّ قصّة قائمة بذاتها ويؤلّف مجموعها الكتاب المقدّس ، أي قصّة حبّ الله للبشر ، في كلّ زمان ومكان .

إن الأعداد ( من 31 إلى 52 ) مقتبسة من العهد الجديد وتخبرنا عن حياة يسوع ابن الله وعن تعليمه . وإن هذه القصص تحدّثنا عمّا فعل يسوع وقال ، وعن الشعب الذي لاقاه . إن كلّ ما نعرفه عن حياة يسوع مدوَّن في الأناجيل الأربعة التي كتبها كلٌّ من متى ومرقس ولوقا ويوحنّا . وكلمة " الإنجيل " تعني البُشرى السعيدة .

وردت " قصة الخروف الضائع " في العهد الجدي ، في الفصل الخامس عشر من إنجيل لوقا. هي من أشهر القصص التي رواها يسوع . وقد ألحقها لوقا الإنجيليّ بقصّتين أُخرَيَين هما قصة الدِرهم الضائع وقصة الابن الضال أو " الشاطر " . وتفيد أيضاً أنّ الله يتجاوز الحدود ،لكي يُرجعنا إلى محبته ، وأن فرحا عظيما يكون في السماء لكل خاطئ يتوب ، وأن كل من طلب الغفران من الله لقي عنده الترحاب والمحبة . وفي الفصل العاشر من إنجيل يوحنا يصف يسوع نفسه بأنه الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف ، وأنه جاء ينقض ويخلِّصُ كل مَن هلك .

القصة اللاحقة (43) في السلسلة عينها ، وعنوانها " إنزل يا زكا " توضح كيف أعطى يسوع حياة جديدة لواحد من تلك الخراف الضالة ، هو زكّا العشار ، جابي الضرائب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010