( كيفية التصرف فى بيت الله )

+ كيفية التصرف في بيت الـله +
=====================


تمهيد
--------

عندما كلم الرب موسى ليصنع له مقدساً ليسكن في وسط الشعب حسب المثال الذي أراه إياه ذكر له جميع الدقائق الصغيرة عن آنية الخيمة وأدواتها؟ وضمن هذه الدقائق ذكر له الملاقط والمنافض التي تصنع من ذهب نقى (خر 25: 38) وكذلك عندما جاء دور بصلئيل لصنع كل ما أمر الرب به موسى؟ يقرر الكتاب أنه صنع المنارة وصنع ملاقطها ومنافضها (خر 37: 23). لكن عندما أقام موسى المسكن بعد إتمام صنع أجزائه ورتب كل شيء في مكانه لأول مرة لا نقرأ شيئاً بالمرة عن هذه الملاقط إلى جانب السرج المضاءة (خر 40: 25)؟ وهذا في غاية المناسبة. فالملاقط ظهرت في المثال الذي أراه الله لموسى؟ وذكرت ضمن ما تم صنعه من أدوات وأواني المسكن؟ لكنها لم تذكر عندما كان النور لامعاً صافياً والضوء في أكمل طاقة له. على أن استعمالها من وقت إلى آخر كان لازماً حتى لا يتعطل أو يضعف الضوء الذي ينبعث من سرج المنارة.

وفي هذه الصفحات القليلة لمسات خفيفة بملاقط الكلمة قصدنا بها إزالة بعض الشوائب التي علقت بسرج المنارة وهي في جو «الموضع المظلم» (2بط 1: 19).

ورجاؤنا في الرب أن يعيد إلينا السرج نظيفة ترسل نوراً نقياً لامعاً وضوءاً ظاهراً باهراً فلا نعود إلى استعمال الملاقط إلى يوم مجيئه القريب. وله كل المجد.

الفصل الأول
-----------------

القبول في الشركة مع جماعة الرب
--------------------------------------

كلمة «قبول» بمعناها الشائع الاستعمال تعنى الموافقة على ممارسة المؤمنين لامتيازاتهم ولتحمل المسئوليات الجماعية (الكنسية) المترتبة على هذه الامتيازات. ولكي ندرس هذا الموضوع سوف نتناوله بالبحث في نقاط ثلاث:

1- من هم الذين لهم سلطان القبول؟

2- من هم الذين ينبغي أن يُقبَلوا؟

3- كيف يُقبَل هؤلاء؟

أولاً: من هم الذين لهم سلطان القبول؟

كانت أول إشارة مباشرة إلى الكنيسة هي تلك التي نطق بها الرب يسوع نفسه لبطرس بعد اعترافه «أنت هو المسيح ابن الله الحي» إذ قال له الرب «على هذه الصخرة أبني كنيستي» (مت 16: 16؟18) وقد أتبع الرب عبارته هذه بقوله لبطرس «وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السمـاء». إذاً فبطرس قد أُعطى سلطان من الرب ليتصرف كمدبر في الكنيسة لأجل الرب. وفي متى 18 نجد إشارة أخرى إلى الكنيسة ونفس الكلمات التي قيلت لبطرس عن الربط والحل قيلت في هذه المرة للكنيسة - أعنى للمجتمعين إلى اسم الرب يسوع حتى لو كانوا اثنين أو ثلاثة (ع 17-20).

في العهد القديم كان للكهنة سلطان الربط والحل (اقرأ لا 13: 8؟11؟13؟ 14: 11)؟ أما في العهد الجديد فقد أُعطى هذا السلطان لبطرس في معناه الروحي كما سلف البيان. واليوم إذ رقـد الرسل فإن المجال الوحيد على الأرض لممارسة مثل هذا السلطان هو دائرة الكنيسة؟ وهذا ما تؤكده كلمات الرب في يوحنا 20: 33 «من غفرتم خطاياه تُغفَر له ومن أمسكتم خطاياه أُمسِكت» إذ أن هذه الكلمات قيلت للتلاميذ (يو20: 19) أي للأحـد عشر «هم والذين معهم»؟ وهي تعطينا صورة لزمان الكنيسة الحاضر.

إذاً الكنيسة أو جماعـة الله المجتمعة معاً تحت رئاسة الرب الحاضر في وسطها لها السلطان أن تربط وأن تحل؟ لها أن تستبعد من امتيازات الجماعة أو أن تقبل في الجماعة أفراداً غرضهم الاستمتاع بنفس هذه الامتيازات. وهكذا يبرز متميزاً تمييزاً إلهياً ما يُسمي «الذين من الداخل» وما يسمي «الذين من الخارج» (1كو5: 12؟13). ولا يجوز أن نغض الطرف عن هذه الحقيقة وهي أنه عندما يجتمع القديسون معاً ككنيسة يكون الرب في وسطهم (انظر مت18: 20؟ 1كو5: 4؟ 11: 18؟ 14: 19؟25).


ثانياً: من هم الذين يُقبَلون؟
----------------------------

اجتماع كسر الخبز هو الاجتماع الرئيسي بين اجتماعات الكنيسة؟ فيه نعبر عن وحدتنا مع الرب ومع بعضنا البعض كأعضاء جسده (1كو10: 16؟17)؟ لذلك فإن الفكر الأصلي والأساسي هو أن «جميع الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح» (1كو 1: 2)؟ أي جميع الذين اغتسلوا بالدم وصاروا أعضاء جسد المسيح؟ ينبغي أن يُقبَلوا في الشركة مع جماعة الرب.

لكن سرعان ما ظهر أن هناك البعض من المؤمنين الحقيقيين الذين خلصوا بالدم وهم أعضاء في جسد المسيح؟ لم يكن ممكناً قبولهم في هذه الشركة. ففي كورنثوس كان هناك شخص وجب عزله من بين القديسين بسبب خطية بشعة. فمع أنه لم يفقد مركزه كعضو في جسد المسيح؟ إلا أنه كان ينبغي أن يحرم من امتيازات الشركة مع إخوته المؤمنين إلى الوقت الذي فيه ظهر الدليل على توبته توبة حقيقية وترك طريقه الشرير. والجماعة التي قبلته أصلاً في الشركة إذ حكمت أنه نال غفران خطاياه؟ هي نفسها التي تحكم الآن بربطه أو تمسك عليه خطيته؟ إلى الوقت الذي فيه يمكن الحكم بحلها أو غفرانها. ومن هنا نرى أن عدم وجود الشر أو الخمير هو أساس قبول أي مؤمن في شركة امتيازات الجماعة؟ ووجود الخمير هو أساس رفضه منها.

وهناك فصول كتابية مثل «خميرة صغيرة تخمر العجين كله» (غل5: 9) و«لا تضلوا فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة» (1كو 15: 33) و«كل من تعدى ولم يثبت في تعليم المسيح . . . فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة» (2يو9-11)؟ هذه كلها ترينا أن الشر التعليمي الذي يمس عمل وشخص الرب يسوع المسيح؟ إذا وجد في واحد من المؤمنين فهذا كافٍ لحرمانه من امتيازات الشركة مع الجماعة. وفي الواقع إن ضرر الشر التعليمي أشد وأخطر من ضرر الشر الأدبي. فالشخص الذي يسلك سلوكاً أدبياً مستقيماً ولكنه يتمسك بتعليم شرير يكون ضرره في وسط الجماعة أشد فتكاً من شخص يسلك سلوكاً أدبياً معيباً. ومن صور الشر التعليمي كذلك أولئك الذين يصفهم الرسول بولس في رسالته إلى تيطس في قوله: «الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين أعرض عنه عالماً أن مثل هذا قد انحرف وهو يخطئ محكوماً عليه من نفسه» (تى3: 10؟11).

وهناك نوع ثالث من المؤمنين لا يمكن قبولهم في شركة هذه الامتيازات؟ هم الذين يتورطون ويرتبطون بعلاقات مع أي من الصنفين السابقين. صحيح هناك من لا يوافقون على اعتبار هذا العيب سبباً كافياً لعزل المؤمن عن الشركة في امتيازات الجماعة؟ لكن كلمة الله صريحة عندما تحذرنا من أن نشترك في خطايا الآخرين. يقول الرسول لتيموثاوس «ولا تشترك في خطايا الآخرين. احفظ نفسك طاهراً» (1تي 5: 22). وكذلك يقول يوحنا الرسول «إن كان أحد يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم (يقصد تعليم المسيح كالابن الأزلي) فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة» (2يو 10؟11).

ويقول الرسول بولس لتيموثاوس «أما الأقوال الباطلة الدنسة فاجتنبها لأنهم يتقدمون إلى أكثر فجور وكلمتهم ترعى كآكلة (كما لو كانت مرضا خبيثا يفرخ ويفسد)» (2تى 2: 14)؟ ويحذره ناصحاً بالقول «وليتجنب الإثم كل من يسمي اسم المسيح» وكذلك بقوله « إن طهر أحد نفسه من هذه (من أواني الهوان) يكون إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد» فإذا كانت الأمور قد وصلت إلى هذا الحد في أواخر أيام الرسول بولس حتى اضطر أن يكتب هكذا؟ فكم بالحري تكون أيامنا الحاضرة أشد خطورة؟ وبالتالي كم ينبغي أن نبذل مزيداً من العناية وأن نلتزم بتدقيق أكثر من جهة أمور الله في وسط جماعته.

في سفر الأعمال (18: 27) نقرأ أن أبولس إذ كان يريد أن يجتاز من أفسس إلى أخائية «كتب الاخوة (في أفسس) للتلاميذ يحضّونهم أن يقبلوه» فالتلاميذ (المؤمنون في أخائية) لم يكن لهم أن يقبلوا أبولس لمجرد تزكيته لنفسه؟ ومن قبيل التدقيق في قبوله لزم أن يحمل إليهم خطاب توصية. وفي قضية عاخان؟ الذي ارتكب الخيانة بمفرده حكم؟ الرب أن الجماعة كلها أخطأت (يشوع 7). وكثير من أمثلة العهد القديم ترينا أن المعاشرات الرديئة (الشركة مع من يحتضنون شراً) تفسد في وسط الجماعة وتسحب عصا التأديب عليها.

ولنا في سفر العدد (ص 5) مثال رمزي لهذه الفئات الثلاث «وكلم الرب موسى قائلا: أوص بني إسرائيل أن ينفوا من المحلة كل أبرص وكل ذي سيل وكل متنجس لميت؟ الذكر والأنثى تنفون إلى خارج المحلة. تنفونهم لكيلا ينجسوا محلاتهم حيث أنا ساكن في وسطهم» فالأبرص يمكن أن يكون رمزاً لشخص تنجس بشر أدبي؟ وذو السيل يمكن أن يكون رمزاً لشخص تنجس بشر تعليمي؟ والمتنجس لميت؟ وهو يختلف عن الفئتين السابقتين؟ يمكن أن يكون رمزاً لشخص تنجس بالمعاشرات الرديئة. وجدير أن نسأل: لماذا هذا العزل خارج المحلة؟ الجواب في قول الرب «حيث أنا ساكن في وسطهم» ونحن مدعوون أن نمارس هذا الحرص في الغيرة على كرامة الرب؟ لأنه يسكن في وسط شعبه. فإذا كان أمر واحد من هذه الثلاثة سبباً في العزل من شركة الجماعة؟ فبالأولى جداً يكون سبباً في عدم القبول في هذه الشركة عينها.

إن أولئك الذين هم في شركة مع جماعة الرب عليهم مسئولية حفظ أنفسهم في حالة القداسة الشخصية؟ ومسئولية ملاحظة عدم السماح لأقل شيء يجلب الإهانة على اسم الرب.

إذاً يمكن أن نجاوب على السؤال: من هم الذين يُقبَلون؟ بالقول بأن كل مؤمن حقيقي؟ كل عضو في جسد المسيح؟ غير متنجس بشرٍ من هذه الشرور الثلاثة؟ بل من الذين «يدعون الرب من قلب نقي» (2تى 2: 22)؟ ينبغي أن يقبل في الشركة مع الجماعة.


ثالثاً: كيف يُقبَل هؤلاء؟
-----------------------------

ذكرنا في إجابة السؤال الأول أن للكنيسة تحت قيادة الرب سلطاناً أن تقبل. إذاً يلزم أن يكون الشخص معروفاً لها وأن تستريح ضمائر المجتمعين عليه. والحرص مع التدقيق عند القبول هو أساس الترتيب الصحيح. ولا يوجد داعٍ للاستعجال في القبول. لم تفصّل كلمة الله ممارسة هذا الحرص وهذا التدقيق أو أسلوب عدم الاستعجال؟ ولكن الاختبارات الناضجة؟ بسبب طول الزمان؟ تعلمنا طريقاً مأموناً لإجراء هذا الترتيب التقوي. وحاصل هذه الاختبارات أن الشخص الراغب في الانضمام سواء من المؤمنين أو المؤمنات يبدى رغبته إلى بعض الاخوة المسئولين؟ والجماعة غالباً تنتدب اثنين من الاخوة على الأقل لزيارة هذا الشخص في بيته؟ ثم يعرض الأمر على الجماعة مجتمعة باسم الرب. ومتى استراحت الجماعة في حضرة الرب؟ يكون قبول الأخ أو الأخت في يوم الرب التالي بعد إحاطة كل الجماعة المحلية علماً بذلك. وبهذا الأسلوب تكون قد لوحظت جوانب الموضوع بعناية. فالكنيسة مجتمعة باسم الرب هي صاحبة السلطان في القبول وليس فرد أو أفراد منها. ومتى وضعت الكنيسة الأمر بالصلاة أمام الرب؟ بعد أن تتم الزيارة مرة أو مرات تكون قد بحثت الموضوع بحثاً وافياً.

وعند قبول الشباب والأحداث يكون من الأفضل أن يهتم الشيوخ بين الجماعة بزيارتهم والترحيب بهم وشرح الحقائق التي تتعلق بمسئوليات القبول في شركة الجماعة.

وأحياناً يكون الشخص الطالب الانضمام إلى الجماعة غير معروف جيداً؟ أو أن يكون هناك من الأمور ما ينبغي فحصه بأكثر تدقيق سواء من جهة السلوك أو التعليم أو المعاشرات؟ ففي هذه الحالة يستحسن عدم الإعلان عن هذه الرغبة في الانضمام حتى يستقر الأمر نتيجة لزيارات ترتب مع هذا الشخص. والرب في جميع الأحوال؟ متى طلبنا وجهه؟ لابد أن يرشد ويكشف ويوجه؟ لقد أخطأ يشوع حين قبل الجبعونيين بناء على شهادتهم عن أنفسهم «ومن فم الرب لم يسأل» (يش9). وهناك نصيحة ثمينة ينبغي أن نضعها في البال يقولها بولس للكورنثوسيين «ليكن كل شيء بلياقة وبحسب ترتيب» (1كو 14: 40).

ومما لا شك فيه أن هناك حالات استثنائية تحتاج إلى حكمة خاصة؟ وفي مثل هذه الحالة يطلب وجه الرب لمعرفة السبيل الذي ينبغي أن يُتخذ. ومن الأفضل جداً؟ إذا اختلفت أفكار الجماعة من جهة قبول أي شخص؟ أن يُرجأ البت في الأمر مع ضرورة الصلاة. لأن التسرع وفرض إرادة البعض على الجماعة لقبول أخ أو أخت على مائدة الرب يسبب حزناً للقديسين ويجلب إهانة على اسم الرب. ومن الجهة الأخرى ليس من الحكمة تأخير انضمام أخ أو أخت بدون داع ما دامت قد اتضحت إرادة الرب بالموافقة على القبول.

لذلك ينبغي أن نتذكر أنه سواء في أمر قبول الأفراد في الشركة مع الجماعة؟ أو في أي أمر آخر يتعلق بمجد الرب في الكنيسة؟ فإن الكنيسة المحلية تمثل الجماعة كلها. وإذا قبلت جماعة محلية شخصاً في الشركة معها فهو مقبول عند الجميع في كل مكان حيث يُمارَس مبدأ «الجسد الواحد».

وإنه لامتياز ثمين أن تكون لنا شركة مع أولئك الذين يجتمعون باسم ربنا يسوع المسيح في هذه الأيام الأخيرة لأجل إذاعة حقه الثمين؟ ولكنها أيضاً مسئولية كبيرة؟ لأن الرب في وسط شعبه. فليتنا نُقدِّر هذا الامتياز وتلك المسئولية تقديراً واعياً وعميقاً منتظرين وطالبين سرعة مجيء سيدنا ثانية. له المجد في الكنيسة إلى يوم مجيئه. آمين.
-------------------------------------------------------------

الفصل الثاني
------------------

كيفية التصرف في العزل من الشركة
-----------------------------------------

لماذا العزل؟
----------------

كان يرتبط بصنع الفصح قديماً نزع الخمير من البيت؟ وأكل الفطير سبعة أيام. وقد أوضح الرسول بولس المعنى الروحي لذلك في قوله «إذاً لنعيّد ليس بخميرة عتيقة ولا بخميرة الشر والخبث بل بفطير الإخلاص والحق» (1كو5: 8).

وفي اشتراك المؤمنين في مائدة الرب يعلنون وحدتهم أمام الله؟ كما يقول الرسول «فإننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد» (1كو10: 17). وبناءً على ذلك؟ هناك مسئولية جماعية على المؤمنين الذين يشتركون في مائدة الرب أن يكونوا أنقياء من الخمير الأدبي والتعليمي. ويترتب على هذه المسئولية أنه يجب على الجماعة أن تتثبت من نقاوة جميع المشتركين في مائدة الرب؟ ويجب أن ينقى المؤمنون الخميرة العتيقة؟ وأن يعزلوا الخبيث من بينهم كقول الرسول «إذاً نقوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجيناً جديداً كما أنتم فطير...فاعزلوا الخبيث من بينكم» (1كو5: 7-13).

وإهمال هذه المسئولية يجلب التأديب على الجماعة كلها كقول الرسول «أفأنتم منتفخون وبالحري لم تنوحوا حتى يرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل» (1كو5: 2)؟ وأيضاً «من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون» (1كو11: 30).

نذكر أنه في العهد القديم أوقع الله القضاء على الشعب كله لأجل خطية عاخان؟ إذ اعتُبر الشعب وحدة واحدة في نظره قائلاً ليشوع «قد أخطأ إسرائيل بل تعدوا عهدي. بل أخذوا من الحرام؟ بل سرقوا؟ بل أنكروا؟ بل وضعوا في أمتعتهم؟ فلم يتمكن بنو إسرائيل للثبوت أمام أعدائهم. لأنهم محرومون. ولا أعود أكون معكم إن لم تبيدوا الحرام من وسطكم» (يش7: 11-12).

كيفية العزل
-------------------

كما أن للكنيسة وحدها سلطان القبول في الشركة كما رأينا في الفصل السابق؟ هكذا من واجبها عزل الخبيث من الوسط. ولكن لا يتم ذلك إلا بعد تقديم العلاج بالمحبة وطول الأناة من الأشخاص الروحانيين. فإذا لوحظ وجود خمير أدبي أو تعليمي في أحد المؤمنين المشتركين في مائدة الرب؟ فليس للكنيسة أن تتناول الفحص والتحقيق من أول الأمر؟ بل يتناول ذلك المؤمنون المتقدمون الروحانيون؟ ويبذلون كل الجهد بروح المحبة والوداعة في إصلاح المخطئ . ولكن بعد فروع وسائل الإصلاح والعلاج؟ تكون الكنيسة مجتمعة باسم الرب هي المرجع النهائي لحسم الموضوع. هذا ما نجده في غلاطية6: 1 «أيها الاخوة إن انسبق إنسان فأُخذ في زلة ما فأصلحوا أنتم الروحانيون مثل هذا بروح الوداعة». أما الرجوع للكنيسة فقد أمر به الرب في قوله «وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة» (مت 18: 17). وإذا أصر المخطئ على شره فالكنيسة مجتمعة باسم الرب تحكم عليه كقول الرب «وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار» (مت 18: 17). وهذا يوافق قول الرسول «لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا» (1كو5: 11). والسلطان الممنوح للكنيسة المجتمعة باسم الرب نجده في قول الرب بعد ذلك مباشرة «الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء (أي أن السماء تصادق وتختم على حكم الكنيسة المجتمعة على الأرض). . . لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم» (مت 18: 20).


الغرض من الأحكام الكنسية
------------------------------

أولاً: معالجة المخطئ معالجة أخيرة لرد نفسه؟ حتى يخجل ويحزن حزناً مفرطاً.

ثانياً: تنقية الجماعة من خميرة الشر.

ثالثا: تبرئة ساحة المؤمنين من شر المخطئ كما يقول الرسول «في كل شئ أظهرتم أنفسكم أنكم أبرياء في هذا الأمر» (2كو7: 11).

لذلك تمارس الكنيسة سلطانها في التأديب بروح التذلل والانكسار أمام الرب؟ وبروح المحبة لا بروح ناموسية ولا بقساوة جسدية.

وبما أن الأحكام الكنسية تصدر باسم المسيح الحاضر في وسط الجماعة وبإرشاد الروح القدس؟ فهي واجبة الاحترام من كل المؤمنين في كل مكان. فالشخص المعزول من كنيسة محلية معينة لا يُقبَل للشركة في أي جهة أخرى مع الجماعة التي تجتمع باسم الرب وتعتمد على رياسته وقيادة روحه. وفي حالة توبته ورد نفسه يكون المرجع للجماعة التي أصدرت عليه الحكم.
---------------------------------------------------------

الفصل الثالث
-------------------

كيفية التصرف في ممارسة عشاء الرب
-------------------------------------------

إن صنع ذكرى موت الرب وصية غالية أعطاها لنا الرب «في الليلة التي أسلـم فيها» (1كو11: 23)؟ أي في الليلة الأخيرة - ليلة آلامه. وهذه تتضمن عدة امتيازات ثمينة نكتفي بذكر ستة منها: ثلاثة مذكورة في 1كورنثوس11؟ حيث تسمي هذه الممارسة« عشاء الرب»؟ والثلاثة الأخرى مذكورة في 1كورنثوس10؟ حيث تسمي «مائدة الرب».


امتيازات ممارسة عشاء الرب:
----------------------------------

1- ذكرى موت الرب: كقوله مرتين «اصنعوا هذا لذكري»؟ مرة بعد إعطائهم الخبز؟ ومرة بعد إعطائهم الكأس. ولاشك أن الذي نذكره هو الرب في موته؟ لأن تناولنا الخبز الذي يشير إلى جسده منفصلاً عن الكأس التي تشير إلى دمه يفيد الموت. ولاشك أن تذكرنا الرب في موته لأجلنا أكبر محرك لعواطفنا لتقديم السجود والتعبد القلبي لشخصه ولازدياد محبة قلوبنا الصادقة له. فكل من يتناول الخبز والخمر من يد الرب ويسمع همس صوته في أذنيه قائلاً «اصنع هذا لذكري» يهتف من القلب قائلاً «الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي» (غل2: 20).

2- إخبار بموت الرب: إن الكنيسة المجتمعة باسم الرب وحوله لصنع ذكرى موته؟ تعلن على الملأ حقيقة موت الرب؟ بلا صوت ولا كلام؟ كما تحدث السموات والأرض بمجد باريها؟ ولكن بشهادة أقوى من الصوت والكلام. فالكنيسة باعتبارها عمود الحق؟ ترفع في العالم علم هذا الحق عالياً خفاقاً.

3- انتظار مجيء الرب: كما يقول الرسول «تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء». ففي ممارسة عشاء الرب نعترف بأننا غرباء وسائحون في العالم؟ وأننا نذكر سيدنا الغائب عنا بالجسد؟ ولكننا ننتظر مجيئه في كل يوم؟ بل في كل ساعة لكي نراه بالعيان؟ وجهاً لوجه؟ «نراه كما هو»؟ ونرى في يديه ورجليه وجنبه آثار جراح الصليب؟ ونسبحه التسبيح اللائق؟ ونرنم له الترنيمة الجديدة «مستحق أنت...لأنك ذُبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة». وحينئذ لا نعود نحتاج إلى الذكرى.

4- إعلان وحدة جسد المسيح: كما يقول الرسول «فإننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد» (1كو 10: 17)؟ وهذا مما يزيد شكرنا للذي جاء «لكي يجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد» (يو11: 52). وهذا أيضاً مما يزيد محبتنا بعضنا لبعض كأعضاء في الجسد الواحد.

5- تمتع بالشركة في جسد المسيح ودمه: «كأس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح. الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح» (1كو 10: 16). ومن هذا الوجه؟ نجد ما كانت تشير إليه «ذبيحة السلامة» قديماً؟ إذ كان فيها شركة بين الله؟ والكاهن؟ ومقدم الذبيحة؟ في التمتع بالذبيحة نفسها. وفي ذبيحة المسيح؟ كان النصيب الأول الأوفر هو لشبع قلب الله؟ ثم نحن أيضاً لنا نصيب مُلِذ ومشبع من هذه الذبيحة الفريدة. وهكذا المسيح أيضاً «من تعب نفسه يرى ويشبع»؟ في الفرصة الالتفاف حول مائدة الرب من فرصة ثمينة؟ فيها شبع متبادل وشركة ثمينة مع الآب ومع الابن؟ ومع بعضنا البعض.

6- غذاء روحي: وهذا نجده في قول الرسول «أليس الذين يأكلون الذبائح هم شركاء المذبح؟» أما مذبحنا في العهد الجديد فهو شخص المسيح نفسه؟ الذي منه نأكل ونتلذذ كقول الرسول «لأنه حسن أن يثبّت القلب بالنعمة لا بأطعمة لم ينتفع بها الذين تعاطوها. لنا مذبح لا سلطان للذين يخدمون المسكن أن يأكلوا منه» (عب 13: 9؟10). وكما كان الإسرائيلي قديماً يتمتع بالأكل من الخروف المشوي الذي قد احتمى بدمه من المهلك؟ هكذا نحن أيضاً نتمتع ونتغذى بشخص المسيح؟ ولا سيما حين نجتمع لنتذكر موته لأجلنا.

ولنذكر أنه ليس من امتيازات الاشتراك في عشاء الرب نوال غفران الخطايا؟ لأن هذه البركة يحصل عليها الخاطئ بإيمانه بالمسيح وبعمله الكفاري على الصليب. إن أساس غفران الخطايا ليس التناول من جسد الرب ودمه؟ بل هو تقديم جسد الرب على الصليب وسفك دمه الكريم هناك لأنه «بدون سفك دم لا تحصل مغفرة».

وليس من امتيازات الاشتراك في عشاء الرب نوال الحياة الأبدية؟ لأن «الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله» (يو 3: 36). أما قول الرب له المجد «من يأكل جسدي ويشرب دمى فله حياة أبدية..من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد» (يو 6: 54و58) فيشير إلى الإيمان بشخصه؟ كما قال الرب صريحاً في نفس الفصل «الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية..أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد» (يو 6: 47و51)؟ وأيضا «أنا هو خبز الحياة من يُقبِل إلىَّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً» (يو 6: 35) وأيضاً «الروح هو الذي يحيي أما الجسد فلا يفيد شيئا. الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة» (يو 6: 63).


مسئوليات ممارسة عشاء الرب
-----------------------------------

كما أن ممارسة عشاء الرب لها امتيازات ثمينة ومباركة فهي أيضاً تقترن بمسئوليات عظيمة وخطيرة نكتفي بذكر أربع منها: اثنتان في 1كورنثوس11 واثنتان في 1كورنثوس 10.

الأكل باستحقاق: «إذاً أي من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه» (1كو 11: 27). والاستحقاق هنا هو نقاوة العيشة؟ وخلوها من الدنس ومن الخمير من أي نوع. ونلاحظ أن تركيب العبارة هنا يفيد بوضوح أن ما يؤكل هو في مادته «خبز»؟ وما يُشرَب هو في مادته «خمر»؟ ولكن الاستخفاف بهما يعتبر إجراماً في جسد الرب ودمه. لأن الخبز له قيمة جسد الرب الذي يمثله؟ والخمر له قيمة دم الرب الذي يمثله. «ولكن ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس» (ع28) ومن هنا يتبين بوضوح أن ممارسة عشاء الرب هي أعظم وسائط النعمة؟ لأنها تتطلب امتحان النفس المستمر في حضرة الرب؟ ويستتبع هذا الامتحان التنقية والقداسة العملية. ونلاحظ أن الرسول لا يقول إنه بعد أن يمتحن الإنسان نفسه يمتنع عن الأكل إذا ما وجد ما يدعو إلى ذلك؟ بل يقول «وهكذا يأكل»؟ أي أنه بعد الامتحان يحكم على نفسه ويدين الشر الذي كشفه له الرب؟ ويعترف به بتذلل في حضرته؟ وإذ يُغفر له؟لأننا «إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم» (1يو1:9)؟ ويسترد المؤمن شركته؟ «هكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس». وكذا إذا انكشف للمؤمن أثناء امتحان نفسه أن لأخيه شيئاً عليه؟ فيجب أن يذهب أولاً ويصطلح مع أخيه. وبما أن ممارسة عشاء الرب تكون في أول كل أسبوع فامتحان النفس يكون مستمراً ودورياً؟ وهذا ما كان يُشار إليه رمزياً بالقول «سبعة أيام تأكلون فطيراً». وما أجمل أن نضم صوتنا باستمرار مع النبي الذي صلى قائلاً «اختبرني يا الله واعرف قلبي. امتحني واعرف أفكاري. وانظر إن كان في طريق باطل وأهدني طريقاً أبدياً» (مز 139: 23).

2- تمييز جسد الرب: «لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب» (1كو 11: 29). والتمييز هنا معناه تقدير قيمة الخبز الذي نأكله بأنه ليس كالخبز الذي يمكن أن نتناوله كيفما كانت حالتنا في طعامنا العادي؟ بل وإن كان خبزاً في مادته إلا أنه يصور لنا جسد الرب؟ وبذلك اكتسب قيمة عظيمة؟ كالورقة العادية التي تطبع عليها صورة الملك فيصبح لها احترام وتقدير في عيون الجميع. وهنا نرى أن المؤمن عندما يمد يده ليتناول الخبز أو الكأس يجب أن يمدها بخشوع واحترام وتقدير؟ وتمييز كامل لقيمة جسد الرب ودمه. والمؤمن الذي لا يكون قد فحص نفسه وتنقى تماماً في حضرة الرب يُعتبر مستهيناً إذا مدَّ يده ليتناول من الخبز والكأس. ويستتبع هذا التهاون دينونة من الرب. «يأكل ويشرب دينونة لنفسه» وهذه الدينونة هي طبعاً تأديب في الحياة قد يصل إلى حد قطع الحياة من الأرض؟ ولكن لا توجد دينونة أبدية على المؤمن؟ ولذلك يقول الرسول «نؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم». والمؤمن «يأكل ويشرب دينونة لنفسه» إذا كانت الجماعة لا تعرف شيئاً عن عدم استحقاقه؟ أما إذا عرفت الجماعة وسكتت فعليها مسئولية وقضاء من الرب كما رأينا في الفصل الثاني.

3- الحالة الأدبية اللائقة: يقول الرسول «أليس الذين يأكلون الذبائح هم شركاء المذبح» (1كو 10: 18)؟ وإذا رجعنا إلى سفر اللاويين نجد أن الذي يأكل من لحم ذبيحة السلامة يجب أن يكون طاهراً لا يلامس الدنس إذ نقرأ «واللحم يأكل كل طاهر منه. وأما النفس التي تأكل لحماً من ذبيحة السلامة التي للرب ونجاستها عليها فتُقطع تلك النفس من شعبها. والنفس التي تمس شيئاً ما نجساً. ثم تأكل من لحم ذبيحة السلامة التي للرب تقطع تلك النفس من شعبها» (لا 7: 19-21).

وهكذا يجب التشديد على القداسة وطهارة الحياة فيمن يتناولون من مائدة الرب.

4- عدم الاشتراك في مائدة شياطين: «لا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب ومائدة شياطين أم نغِير الرب؟ ألعلنا أقوى منه؟» (1كو 10: 21و22). ونستطيع أن نعتبر كل ما يقدمه الشيطان والعالم لتغذية الطبيعة الفاسدة التي فينا «مائدة شياطين »؟ فعلى شاشة السينما نجد مائدة شياطين؟ وكذلك على شاشة التليفزيون؟ وفي المجلات العالمية الخليعة نجد مائدة شياطين؟ وكذلك في القصص والروايات وغيرها. ولا يجوز للمؤمن الذي يتغذى بذكرى موت الرب أن يشترك في مائدة شياطين.


بعض الملاحظات على ممارسة عشاء الرب
---------------------------------------------

- كان التلاميذ في العصر الرسولي يمارسون عشاء الرب في اليوم الأول من كل أسبوع؟ في يوم الرب؟ وكانوا يواظبون على ذلك. وهذا يتفق مع فكر الرب حتى تكون دورة الأسبوع كلها - وبالتالي الحياة كلها - فطيراً. أما ممارسة عشاء الرب في فترات متباعدة فيعطى فرصة للجسد وللتكاسل وفتور الحياة الروحية. والذين يفعلون هذا يخدعهم الشيطان إذ يوهمهم أن ذلك مما يزيد من قيمة عشاء الرب في نظرهم. إذا كان الرب يقول لنا «اصنعوا هذا لذكري» فأيهما أقرب وأعز على قلوبنا أن نصنع ذكرى من أحبنا وأسلم نفسه لأجلنا في كل أسبوع؟ أم في كل شهر أم في كل نصف سنة.

- الشكر على عشاء الرب يدخل في نطاق السجود لا في نطاق الخدمة؟ ولذلك هو امتياز من يرشده الرب بالروح القدس من المؤمنين؟ وليس من هو وقفاً على أصحاب المواهب وحدهم.

- لا أساس كتابي لفكرة تحول الخبز إلى جسد الرب والخمر إلى دم الرب حرفياً؟ بل هما كما رأينا أنهما في مادتهما خبز وخمر؟ ولكن في قيمتهما عند التناول منهما كقيمة جسد الرب ودمه.

- غنى عن البيان أنه لا يجوز أن يستعمل جزء من الرغيف ولا أكثر من رغيف؟ بل رغيفاً واحداً كاملاً. لأنه يمثل وحدة المؤمنين معا كجسد الرب «لأننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لأننا جميعاً نشترك في الخبز الواحد (أو بحسب الأصل في الرغيف الواحد) » (1كو 10: 17). كما لا يجوز في الكأس استعمال مادة أخرى خلاف التي استعملها الرب نفسه وهي الخمر المصنوع من عصير العنب.

- يجب تناول الخبز والخمر كل على حدة؟ لأن في ذلك تذكار موت الرب بانفصال دمه من جسده؟ ولا يجوز مزج الخبز في الكأس.

- تعتبر فرصة ممارسة عشاء الرب فرصة شكر وسجود؟ ولذلك لا يليق فيها تقديم صلوات وطلبات؟ بل تشكرات فقط؟ ولا يليق طلب ترنيمات خاصة باختبارات أو بتجارب الطريق؟ لأن المشغولية يجب أن تكون مركّزة في الرب وحده وفي عمله لأجلنا؟ وبالتالي ننسى أنفسنا تماماً في حضرته.

- يجب أن يكون لمناسبة كسر الخبز تقديرها العميق في قلوب الساجدين فنحضر فيها مبكرين؟ وإذا حضر أحد المؤمنين متأخراً؟ بحيث لم يشترك بعواطفه في الشكر؟ على الخبز فلا يليق أن يتناول من عشاء الرب. وبديهي أن من لا يشترك في الخبز لا يصح أن يشترك في الكأس؟ نظراً لوحدة الممارسة.
------------------------------------------------------------


الفصل الرابع
---------------------

كيفية التصرف في العبادة والخدمة
------------------------------------------

ميعاد الاجتماع
-------------------

لنبدأ بهذه النقطة: متى يجب أن يبدأ اجتماع المؤمنين معاً حول الرب الحاضر في وسطهم؟ لم يحدد الكتاب ميعاداً معيناً لبدء الاجتماع. وحتى في الأمثلة التي ذكر فيها شيء عن ذلك لم يحدد موعد لبداية الاجتماع أو نهايته. وواضح أن هذا الأمر لم يتناوله العهد الجديد بالتحديد؟ بل تركه للكنيسة لتحدد موعد بدء الاجتماع حسب ظروفها. وبالاختبار ظهرت حكمة الروح القدس في هذا الأمر لأن مواعيد الفراغ من الأعمال الزمنية (لكي يستطيع العباد أن يتفرغوا للعبادة بقلوب مهيأة) في المدن غيرها في القرى؟ وفي البلاد الصناعية غيرها في البلاد الزراعية؟ وفي مواسم معينة غيرها في الأوقات الأخرى. أضف إلى ذلك حالات الطوارئ من أوبئة أو فيضانات أو حروب..الخ. لكن متى تحدد ميعاد بدء الاجتماع وجبت المحافظة عليه بكل دقة. وليست هذه وصية اجتهادية بل لقد أعطانا الرب نفسه المثال الكامل لنتبع خطواته؟ فماذا يقول الكتاب عنه.«ولما كانت الساعة اتكأ» (لو 22: 14). وهنا يسوغ أن نقول إن عدم المحافظة على موعد بدء الاجتماع هو من أكبر أسباب ضعف وفتور الاجتماعات. تصور اجتماعاً حضر فيه نصف عدد الاخوة وتأخر الباقون عن الموعد؟ فماذا يحدث؟ إما أن يتأخر موعد بدء الاجتماع ثلث أو نصف ساعة حتى يكمل عدد الاخوة؟ ويكون ذلك على حساب مصالح الآخرين الذين حضروا مبكراً! وطبعاً لن يكون للاجتماع ميعاد منتظم بعد ذلك. وإما أن يبدأ الاجتماع بهذا العدد القليل؟ وكل خمس دقائق يدخل أخ أو أكثر؟ بينما يكون الحاضرون قد قطعوا شوطاً كبيراً في الترنيم والصلاة. وكثيراً ما يحدث أن بعضاً من هؤلاء المتأخرين يشترك في العبادة بطلب ترنيمة سبق أن رُنِمَت أو بقراءة فصل لا يتفق مع اتجاه العبادة؟ وهكذا يعود عقرب الساعة إلى الوراء ليبدأ الاجتماع من جديد في ملل وضجر. ولا عجب بعد ذلك إذا استشكل الأمر على خادم الكلمة أو صاحب الموهبة فلم يستطع أن يجد ما يبني به إخوته.

لقد دلت التجربة دلالة قاطعة على أن الاجتماعات التي لا يحافظ فيها الاخوة على موعد بدء الاجتماع هي أضعف الاجتماعات؟ وأقلها اجتذاباً للمترددين؟ وأكثرها انشقاقات وتحزبات. هي اجتماعات عقيمة لا تلد ولا تبني. ومن المؤكد أن تفتر المحبة بين أفرادها؟ لأنهم فرطوا في محبتهم أولاً للرب؟ تلك المحبة التي من دلالاتها الرغبة الحارة في الالتفاف حوله والتبكير إلى محضره. «الذين يبكرون إلىَّ يجدونني» (أم 8 : 17).


العلاج العملي لبدء الاجتماع في الميعاد؟
----------------------------------------------

إن العلاج الوحيد هو توفر المحبة للرب؟ والغيرة على مجده؟ والخضوع الحقيقي للروح القدس في قلوب العباد. ولا يوجد قانون على الأرض يوفر وينظم هذه المحبة وذلك الخضوع. وكل ترتيب بشرى مهما كان مُحكَماً قد ينظم مظهر العبادة؟ ولكنه لا يستطيع أن يضرم فيها الحياة. من أجل ذلك كان اللجوء إلى الرب بانسحاق في الصلاة أمامه من أجل هذا الأمر هو العلاج الوحيد. فإذا اتفق الاخوة على موعد معين لبدء الاجتماع؟ فمن واجبهم أن يبدءوا في الميعاد ولو كان الحاضرون اثنين أو ثلاثة؟ على أن يكون مفهوماً عند الكل أن أي أخ لم يكن حاضراً عند بدء العبادة؟ يجب أن يدرك أن أي اشتراك من جانبه فيها قد يعطلها أو يحول مجراها إلى اتجاه غير نافع.

وما كان أغنانا عن مثل هذا الكلام لو أن الاخوة الذين يحملون مسئولية الاهتمام بخير الاجتماع يعقدون العزم على تقديم أنفسهم قدوة في المحافظة على الميعاد مهما كانت الظروف.


الصلاة واجتماعات الصلاة
-------------------------------

في بعض الاجتماعات؟ وضع الرب في قلوب أفراد غيورين أتقياء أن يعالجوا هذا الأمر بأن يجتمعوا معاً قبل الموعد المحدد لبدء الاجتماع بنصف ساعة؟ يسكبون قلوبهم فيها بالصلاة مع تحريض إخوتهم على حضور اجتماع الصلاة هذا يومياً؟ وبذلك يبدءون في الميعاد بداية طيبة.

هنا يبرز سؤال: أما يبدو هذا العلاج - وإن كان هو الأفضل - غريباً؟ خصوصاً إذا كنت تعلم معي أن كثيرين في جهات عديدة لا يهتمون حتى باجتماع الصلاة الأسبوعي؟

والإجابة: ليس عجيباً أبداً أن نستعمل الصلاة كعلاج لتصحيح أخطاء لا تعالجها إلا الصلاة.

أما كون المؤمنين في جهات كثيرة قد هجروا اجتماع الصلاة الأسبوعي؟ أو استبدلوا به اجتماع وعظ وترانيم؟ فهذا لا يغير من ضرورة اللجوء إلى العلاج الشافي.

إن المؤمنين الأصحاء في الإيمان والعيشة والعبادة هم الذين يعرفون بالاختبار أعراض وبوادر الضعف الروحي من ضعف شهيتهم للصلاة؟ بل إن أعظم اختباراتهم هو أن الصحة الروحية تقترن دائماً بالصلاة الحارة الغالبة.

إن الصلاة هي التعبير البسيط عن الاتكال الكلي على الله؟ وعن الاستناد الكلي على مواعيده؟ ولذلك هي المجرى الطبيعي الوحيد لفيضان كل بركة وكل خير على المؤمنين. ولكن البعض يستخفون باجتماع الصلاة لزعمهم أن اجتماع الوعظ أكثر بنياناً من اجتماع الصلاة. صحيح أننا نأخذ عن طريق خدمة الكلمة نصائح وتعليماً وبنياناً؟ لكن من الذي قال إننا في اجتماع الصلاة نعطى شيئاً من عندنا؟ أليس بالصلاة نحن نهيئ الآنية لاستقبال البركة؟ أليس بالصلاة نحن نصلح مصابيحنا ليلمع نورنا؟ وأين الخادم الذي أثمرت خدمته بدون الصلاة؟ وأين الاجتماع الذي خلصت فيه نفوس بدون الصلاة؟ وأين المؤمن الذي اتسعت تخومه الروحية بدون الصلاة؟ وبالإجمال أين الثمر الذي ظهر ونما دون أن تتعب في بذاره ركب ساجدة؟ ودون أن ترويه دموع المصلين؟

ما أكثر تحريضات الكتاب على الصلاة! ولماذا كثرة التحريضات؟ لأن المؤمنين ينسون؟ أكثر ما ينسون؟ ويهملون؟ أكثر ما يهملون؟ موضوع الصلاة واجتماع الصلاة.

ولا ننسى التحريض الهام الخاص باجتماع الصلاة «أطلب أول كل شيء أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس. لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار» (1تى2: 1؟2). فإقامة اجتماعات الصلاة واجب مقدس؟ مطلوب من جميع المؤمنين. والصلاة الفردية أو العائلية؟ أو في اجتماعات العبادة؟ لا تغنى عن إقامة الصلوات في اجتماع خاص بذلك.

إذا كان هذا هو تأثير الصلاة؟ فلابد أن إهمالها هو الذي يفسر لنا السر في أن بعض المؤمنين أحياناً يتنافسون على الخدمة منافسة تكاد تكون تهجماً؟ أو يتراجعون تراجعاً يكاد يكون تعطيلاً للاجتماع؟ وأحياناً يتسـرعون في الصلوات أو طلب الترنيمات بدون تمييز روحي؟ وأحياناً يسيئون اختيار النغمات.


رئاسة الرب وقيادة الروح القدس
------------------------------------

هل كل هذه الأخطاء ترجع إلى عدم الاهتمام بالصلاة فقط؟ كلا؟ إلى جانب ترك الصلاة يوجد سبب آخر لكل هذه الأمور؟ وهو نسيان حقيقتي حضور الرب في الوسط؟ وقيادة الروح القدس لجماعة المؤمنين.

كثيرون ينسون أننا نجتمع لنتقابل مع الله فعلاً. هذا حق صريح نؤمن به؟ فإن الرب يسوع ارتفع بالجسد عن التلاميذ؟ وبعد ارتفاعه نزل الروح القدس ليسكن في المؤمنين شاهداً للمسيح الممجد. والرب يسوع يحضر بشخصه الكريم في وسط المجتمعين باسمه. وإني متيقن أنه لو كان يمكن رؤية الرب بالعين ولمسه بالأيدي كما كان في أيام جسده لتغير الحال معنا في اجتماعاتنا. لكن حيث تنجلي البصيرة؟ وتنفتح عين الإيمان لترى الله فعلاً في وسط القديسين؟ فهناك يمتلئ المكان سكوناً؟ والنفوس إجلالاً؟ وتنحني الرؤوس أمامه هيبة ووقاراً.

وماذا يقول الوحي عن العالم الذي لا يؤمن بالروح القدس؟ روح الحق؟ إنه يقوا «روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه» أما عن المؤمنين به فيقول كلاماً آخر «وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم» (يو 14: 16و18). هذه حقائق لسنا في حاجة إلى أن نتعلمها؟ لأننا نعرفها جيداً؟ ولكننا نحتاج إلى الخضوع لها واحترامها ككلمة الله. وبدون الخضوع للكلمة وتقديرها تقديراً مقدساً بخوف ورهبة؟ فلابد أن تسود الفوضى وكل واحد يصنع ما يحسن في عينيه.

إن حاجتنا العظمى هي الإيمان بحضور الرب وقيادة الروح القدس شخصياً. فكم من الأوقات التي صرفناها في محضره؟ وتحققنا أن وجوده – تبارك اسمه - كان أمراً واقعاً؟ وما كان أشهى تلك الأوقات! صحيح أنه قد يتخللها برهة سكوت؟ وقد حدث ذلك فعلاً؟ ولكن في أي شيء كانت مشغوليتنا حينئذ؟ في انتظار الله بكل سكون؟ لا في قلق وتفكير؟ ولا منتظرين من يتكلم أو يرتل لمقاطعة السكوت؟ ولا بين أيدينا الكتاب المقدس نقلب صفحاته؟ أو الترنيمات نختار منها ما يوافق أفكارنا. ولا كانت أفكارنا مشغولة بالمترددين الزائرين؟ وماذا يقولون عن سكوتنا؟ لأن الله كان في الوسط؟ وكل قلب كان مشغولاً به؟ حتى أن مجرد الفكر بمقاطعة السكوت بدون غرض آخر كان يعتبر تهجماً؟ فما كان السكوت ليُقطع إلا بصلاة تعبر عن حاسيات جميع الحاضرين ورغائبهم؟ أو ترنيمة يشترك في إنشادها جميع الموجودين؟ أو كلمة تنفذ إلى أعماق القلوب بقوة. ومع أن الذين استخدمهم الروح في الترنيمات والصلوات والأقوال كانوا كثيرين؟ ولكنه كان واضحاً أن القائد والمدير للعبادة والخدمة هو الروح الواحد؟ وكأن العبادة كانت مرتبة من الأول ومعيناً لكل فرد نصيبه فيها. ولكن الحكمة الإنسانية ليس في استطاعتها أن تضع ترتيباً كهذا؟ فالترتيب كان من الله؟ والروح القدس كان عاملاً في كل الأعضاء لتأدية العبادة وخدمة الحاضرين.

ولماذا لا يكون الحال هكذا في كل الأوقات؟ إن حضور الرب وقيادة الروح القدس هما أمر واقع لا مجرد تعليم أو عقيدة. ولاريب أنه إذا كان الرب يحضر فعلاً متى اجتمعنا معاً؟ فلا توجد حقيقة أخرى تضارع هذه الحقيقة في الأهمية؟ لأنها أم الحقائق وأساسها. والقول بحضور الرب ليس مجرد نفي للرئاسة البشرية؟ لأن قيادة الروح تعنى أكثر من رفض كل ترتيب بشرى ونظام سابق. لأنه مادام الروح موجوداً فهو الذي يدير العبادة ويرتبها. وليس المعنى من الاعتراف بقيادة الروح القدس أن كل واحد حراً؟ له أن يفعل ما يشاء. لا؟ بل المعنى عكس ذلك على خط مستقيم. صحيح أنه لا يجب أن توجد قيود بشرية؟ ولكن مادام الرب موجوداً فلا يخطر ببال أي واحد أن يؤدى خدمة لم يعينه لها الروح القدس نفسه؟ أو يأخذ مركزاً لم يؤهله له. إذاً حرية الخدمة معناها حرية الروح القدس أن يعمل في من يشاء. ولكننا نحن لسنا الروح القدس؟ وإذا كان اغتصاب مركزه بفرد واحد لا يطاق؟ فماذا يقال عن جماعة اغتصبت هذا الحق بدعوى حرية الروح؟ وبالادعاء بأن الروح هو الذي قادهم إلى تأدية الخدمة التي يمارسونها؟ ليس الغرض من ذلك أن نصمت حباً في الصمت حيث لا موضع له؟ ولا أن يمتنع أي واحد عن تأدية نصيبه في الخدمة لوجود فلان أو فلان الأخ حاضراً؟ لأن هذا إطفاء لعمل الروح القدس؟ بحيث لا يقاطَع السكوت إلا بأمره وإرشاده وقوته؟ ومتى شعرنا بحقيقة إرشاده؟ نمتنع عن كل ما لا يليق به أو بالرب يسوع المسيح الذي نجتمع باسمه وفي حضرته.

في العهد القديم نقرأ النصيحة الآتية «احفظ قدمك حين تذهب إلى بيت الله؟ فالاستماع أقرب من تقديم ذبيحة الجهال لأنهم لا يبالون بفعل الشر. لا تستعجل فمك ولا يسرع قلبك إلى نطق كلام قدام الله لأن الله في السموات وأنت على الأرض فلذلك لتكن كلماتك قليلة» (جا 5: 1و2). صحيح أن النعمة التي نحن فيها مقيمون الآن خوَّلت لنا حرية القدوم إلى الله؟ ولكن ذلك لا يستدعى أننا نتخذ هذه الحرية عذراً للتقدم بدون وقار؟ أو للعجلة والتهجم. لا بل نفس حقيقة وجود الرب في وسطنا؟ يجب أن تكون دافعاً قوياً للخشوع والهيبة؟ بمقدار ما نتحقق أن الله كان يعتبر قديماً في السموات ونحن على الأرض؟ أما الآن فنراه حاضراً معنا. فإذ «نحن قابلون ملكوتاً لا يتزعزع؟ ليكن عندنا شكر به نخدم الله خدمة مرضية بخشوع وتقوى؟ لأن إلهنا نار آكلة» (عب 12: 28؟ 29).


الفرق بين العبادة والخدمة
------------------------------

العبادة هي كل تخاطب بين الإنسان والله؟ سواء كان بالتراتيل أو بالصلوات. وبالاختصار فإن الإنسان في العبادة هو الذي يكلم الله؟ أما في الخدمة فإن الله هو الذي يكلم الناس بواسطة خدامه.

ثم إن العبادة تخص جميع القديسين على السواء؟ وهي نتيجة نعمة الله الغنية التي قربتنا إليه بدم المسيح وصيرتنا ملوكاً وكهنة؟ بل أولاداً نسجد له كبنين. ومعلوم أن أضعف القديسين له هذا الحق كأقواهم؟ ولهذا السبب فطلب ترنيمات أو تقديم صلوات هو من امتياز جميع القديسين؟ ولا تنحصر فيمن أخذوا موهبة من الرب. والروح القدس له أن يستخدم من يشاء من المؤمنين في طلب ترنيمة تعبر عن حاسيات جميع الحاضرين؟ أو تقديم صلاة توافق رغائب وحاجات الذين ينطق بلسانهم. وإذا سُرَّ الله أن يستخدمهم هكذا؟ فمن نحن حتى نمنعه؟ على أنه وإن كانت هذه الأعمال غير محصورة في أصحاب المواهب؟ ولكنها تدخل ضمن قيادة الروح طبعاً؟ وتقع ضمن دائرة المبادئ المقررة بأن كل شيء يُعمَل بلياقة وترتيب وللبنيان.

أما الخدمة؟ أي خدمة الكلمة؟ التي فيها يكلم الله الناس بواسطة خدامه؟ فهي نتيجة إعطاء موهبة من الله إلى شخص يصبح مسئولاً أمام المسيح من جهة استخدام ما أعطى له. إذاً؟ فحق العبادة هو لجميع القديسين على السواء؟ أما مسئولية الخدمة فتختلف عن ذلك «ولكن لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا» (رو 12: 6).

ومتى اجتمعنا معاً تحت رئاسة الرب وقيادة الروح القدس؟ فينبغي أن لا نعيق عمله فيمن شاء. ومن الواضح أن الموهبة في بدء ظهورها لا تكون لشخص سبق للروح القدس استخدامه من قبل؟ ولذلك يجب ترك الحرية تماماً للروح القدس ليقود من يشاء في طلب الترانيم؟ أو تقديم الصلوات أو إلقاء كلمة وعظ أو تعليم. فإذا قاد الروح القدس أحد الاخوة لأول مرة في خدمة الكلمة؟ فعلى الجميع أن يشكروا الله على ذلك؟ متذكرين تحريض الرسول بولس «لاتحتقروا النبوات» (1تس5: 20).

ولكن واضح أن هذه الحرية قد تعطى فرصة للبعض أن يتقدموا بالجسد بدون إرشاد الروح القدس بالمرة؟ ولهذا لزم التمييز بين ما هو من الجسد وما هو من الروح. من المعلوم أن كل مسيحي حقيقي فيه ينبوعان من الأفكار والحاسيات والحركات والأقوال؟ معبر عنهما في كلمة الله «بالجسد» و«الروح». والجزء الذي نؤديه من الخدمة أو العبادة في وسط جماعة القديسين؟ إما أن يصدر من الينبوع الأول؟ أو الثاني؟ أو من كليهما معاً. لذا يهمنا جداً أن نميز بين المصدرين؟ بل يجب على كل الذين يشتركون في قيادة الجماعات أن يفحصوا ذواتهم دائماً؟ ويحكموا على أنفسهم. وعلى القديسين أيضاً أن يلاحظوا ذلك لأنهم مدعوون أن «يمتحنوا الأرواح»؟ وعليهم مسئولية أن يقبلوا ما هو من الله؟ ويرفضوا ما هو ليس من الله.

وأريد أن أذكر أهم العلامات التي نميز بها قيادة الروح من التهجم بالجسد.


أدلة عدم الإرشاد
-----------------------

أبدأ بالعلامات السلبية؟ أي أدلة عدم الإرشاد.
----------------------------------------------

إن أول شيء يجب أن نفهمه هو أن عدم وجود قيد أو مانع من الاشتراك في العبادة لا يستلزم أن كل من له قدرة على القراءة يفتح كتابه ويتلو فصلاً أو يطلب ترنيمة؟ لأن أي ولد في المدرسة تعلم القراءة يستطيع ذلك. لكن وإن كانت قراءة الكلمة واختيار الترنيمات أمراً هيناً؟ إلا أن اختيار الفصل المناسب وطلب الترنيمات الموافقة في الوقت المناسب مسألة أخرى؟ وهو أمر لا يقدر عليه أحد سوى الروح القدس الذي يعرف حاسيات جميع الحاضرين. وإذا تصادف حدوث سكوت في وقت ما؟ فإن ذلك لا يُعتبَر وحده مسوِّغاً كافياً للاندفاع لقيادة الجماعة. نعم إن الصمت لغير سبب أمر غير لائق؟ ولكن السكوت أفضل من مقاطعة الصمت لمجرد سد الفراغ. إني أعرف حرج المركز الذي نوجد فيه عندما يوجد مترددون زائرون ليسوا في شركة معنا؟ ومشغوليتنا بهم؟ لا سيما إذا كانوا غير مؤمنين؟ أعرف القلق الذي ينشأ عن السكوت في ظروف كهذه؟ والتفكر فيما يقوله الناس عنا. ولكن الذي يجب أن نهتم به؟ هو أن أحوالاً كهذه هي غالباً صوت من الله؟ وقد يكون معناه وجوب تغيير أسلوب العبادة. وعلى كل حال لا يجوز لأحد أن يصلى أو يرتل أو يتكلم لمجرد مقاطعة السكوت.

كذلك لا يجوز لنا أن نقود الجماعة بموجب اختباراتنا وظروفنا الخصوصية؟ فقد تكون ترنيمة ما لذيذة لنفوسنا؟ أو أكون قد تعزيت بها مرة في الاجتماع في محضر الرب؟ ولكن ذلك لا يسوِّغ لي أن أستنتج أنه بمجرد اجتماعي مع القديسين أطلب تلك الترنيمة؟ إذ يُحتمَل أنها لا توافق ظروف الجماعة الآن؟ بل قد يكون قصد الروح القدس أن لا نرتل بالمرة. والترنيمات يجب أن تعبر عن حاسيات المجتمعين معاً؟ وإلا فلن تقترن الأصوات مع بعضها. ومن ذا الذي يستطيع أن يقود الجماعة إلى ترنيمة توافق حالة المجتمعين كلهم إلا ذاك الذي يعرفها وحده؟

ومثل هذا يقال أيضاً عن الصلوات التي يجب أن تعبر عن رغائب وطلبات الجماعة كلها؟ لأنه قد يتصادف أن أخاً يكون مثقلاً بهموم يجب أن يطرحها لدى الرب بالصلاة؟ ولكنه لا يليق به أن يذكرها في آذان الجماعة؟ لأنه ربما يثقل قلوب إخوته معه. وقد يكون أيضاً مسروراً جداً في الرب؟ إلا أنه إذا لم يضع نفسه في موضع الجماعة إجمالاً؟ فلا يستطيع أن ينطق بصلاة تعبر عن أشواق وطلبات جميع المجتمعين معه.

والخلاصة من كل هذه الأقوال إني متى انقدت بالروح إلى تقديم صلاة أو طلب ترنيمة في الاجتماع؟ فلا يكون ذلك كما لو كنت في مخدعي أو على انفراد حيث لا يوجد معي سوى الرب وحده؟ فأسكب قلبي أمامه؟ أو أفيض بالشكر؟ حسب حاجتي الخصوصية؟ بل أنا في الاجتماع أنطق في صلواتي وتشكراتي بلسان المجتمعين أجمعين؟ كأنهم يخاطبون الله معي. ولا توجد غلطة أكبر من تصور المصلى في الاجتماع أن حاسياته واختباراته الشخصية هي القائد له في تقديم صلواته.

كما أن الذي يقرأ فصلاً من الكتاب ويتعزى منه؟ لا يجوز له أنه بمجرد اجتماعه مع الاخوة يفتح كتابه ويطالع ذلك الفصل؟ إذ ربما أكون مشغولاً بموضوع والموضوع لذيذ ومفيد؟ ربما استفدت منه شخصياً؟ ولكنه قد لا يكون هو الموضوع الذي يقصد الروح القدس أن يوجه إليه نظر الجماعة. ولا أقصد بهذا إنكار احتمال استخدام الرب اختباراتنا وظروفنا ومعلومتنا لإفادة القديسين وبنيانهم؟ لأن ذلك كثير الوقوع؟ إنما أقصد أن أُوضح أن ذلك وحده ليس في حد ذاته مسوغاً كافياً للقيادة.

إن الترنيمات التي يقصد الروح القدس طلبها لابد أن توافق كل الحاضرين؟ فعلينا في الاجتماعات أن نجتهد في حفظ وحدانية الروح برباط السلام. وعلينا أن نتذكر أن طريق الوصول إلى ذلك هو «بكل تواضع ووداعة وبطول أناة؟ محتملين بعضنا بعضاً في المحبة»(أف4: 2).

ويجب أن نذكر في العبادة دائماً؟ أن الجماعة كلها هي التي تخاطب الله بفم من يختاره. إذاً فالعبادة لا يصح أن تكون فوق طاقة الجماعة؟ وإن كان الروح القدس أحياناً يضرب على نغمة أعلى فنشد أوتار قلوبنا معه وترتفع الأصوات معه؟ ولكن إذا لم تكن حالة الجماعة مساعدة على مجاراة تلك النغمة؟ فمحاولة تكليف القديسين بما ليس في وسعهم مستحيل. أما الخدمة فلكونها صوت الله لنا؟ فقد تكون أعلى من حالتنا؟ لأن المتكلم في هذه الحالة إنما ينطق بفم الله. ومادام كذلك فكثيراً ما يحدث أنه ينطق بحقائق لم تكن قد وصلت إلى آذان السامعين؟ أو تكون قد بلغتهم ولكن ليس بتلك القوة التي تشعر بها نفوسهم حينئذ. ولكنه واضح على كل حال أن روح الله وحده يجب أن يكون هو القائد.


العلامات الإيجابية على الإرشاد الصحيح
--------------------------------------------

حاشا لي أن أدعى؟ بأي وجه من الوجوه؟ أنه في الإمكان تحديد عمل الروح القدس في النفوس التي قادها إلى الاشتراك في العبادة أو الخدمة. على أنه وإن كان تحديد ذلك غير ممكن؟ ولكن كلمة الله فيها تعاليم وإرشادات كافية من جهة تمييز الخدمة الحقيقية وعلاماتها. وغايتي الآن أن أستلفت النظر إلى أشهر العلامات وأبسطها؟ وهذه العلامات بعضها يشير إلى موضوع ومادة الخدمة؟ وبعضها يشير إلى العوامل التي تبعث إلى الخدمة أو قيادة القديسين في الاجتماعات. ثم إن بعضها مقدم إلى أولئك العاملين ليمتحنوا به أنفسهم وخدماتهم؟ وبعضها يُقصَد به إعطاء قاعدة للقديسين ليحكموا بها فيما إذا كانت تلك الخدمات بالروح أو بالجسد.

وما أعظم المسئولية عند الكتابة في موضوع كهذا؟ ولكن كل الكتاب «نافع للتعليم والتوبيخ؟ للتقويم والتأديب الذي في البر؟ لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح». وإني أطلب من القارئ أن يفحص هذه الملاحظات في نور كلمة الله حتى لا يقبل إلا ما ينطبق على القياس الكامل.

إن قيادة الروح القدس ليست بتأثيرات غامضة؟ بل هي امتلاء إدراكنا الروحي بأفكار الله كما أعلنها لنا في كلمته المكتوبة وبواسطة التأثير على عواطفنا المتجددة. وأقل ما يُنتظَر من الذين يخدمون؟ أن يكونوا دارسين لكلمة الله؟ وقد أدركوا فكر الله كما أعلنه في كتابه. ويلاحظ أنه قد يوجد واحد له هذه المعرفة بدون أن تكون له قدرة على توصيلها إلى الآخرين؟ ولكن الذي ليس عنده معرفة بالكتاب؟ ماذا يوجد عنده لتبليغه إلى السامعين؟ لا شك أن القديسين لا يجتمعون معاً باسم الرب يسوع لكي تُتلى على مسامعهم أفكار بشرية تافهة؟ أو أقوال سمعها المتكلم من غيره؟ أو قرأها في كتابات البشر؟ بل إن معرفة كلمة الله المعرفة الشخصية والإلمام بالكتاب المقدس وفهم محتوياته هذه كلها بدون شك لازمة وضرورية لخدمة الكلمة. «قال لهم يسوع…من أجل ذلك كل كاتب متعلم في ملكوت السموات يشبه رجلاً رب بيت يخرج من كنزه جدداً وعتقاء» (مت 13: 51و52). وعندما كان الرب مزمعاً أن يرسل تلاميذه ليكونوا شهوداً له قيل «حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب» (لو 24: 45). ويقول الرسول للمؤمنين في رومية إنهم قادرون أن ينذر بعضهم بعضاً؟ وذلك لأنهم «مشحونون صلاحاً ومملوؤون كل علم» (رو 15: 14). وإذا راجعنا وصف سلاح الله الكامل كما هو وارد في أفسس 6؟ نجد من ضمنه «الحق» لمنطقة الأحقاء و«سيف الروح الذي هو كلمة الله». ويذكر الرسول كشرط لازم عندما يكتب للقديسين في كولوسي أن ينذروا ويعلموا بعضهم بعضاً «لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضاً » (كو 3: 16). ويقول لتيموثاوس «اجتهد أن تقيم نفسك لله مزكى عاملاً لا يخزى؟ مفصلاً كلمة الحق بالاستقامة» (2تى2: 15). وعندما يعدد الصفات اللازمة في الأسقف يذكر من ضمنها أن يكون: «ملازماً للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم؟ لكي يكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح؟ ويوبخ المناقضين» (تى1: 9).

من هذه الشواهد جميعها؟ يظهر أن بنيان الكنيسة لا يقوم بمعرفة بعض قشور من الحقائق وإلقائها على السامعين كلما لاحت فرصة لذلك؟ بل إن الذين يستخدمهم الروح القدس لرعاية وتغذية شعب الله هم الذين تثقفت نفوسهم بكلمة الله؟ والذين صارت لهم الحواس بسبب التمرن مدربة للتمييز بين الخير والشر (عب 5: 14).

على أن الإلمام بكلمة الله وحده غير كاف؟ بل يجب تطبيقها على ضمائر القديسين بحيث توافق ظروفهم وتسد أعوازهم؟ ولأجل ذلك يلزم - كما قال أحد الخبيرين - أن الخادم يتعرف بالذين يخدم في وسطهم ويختبر أحوالهم؟ ولكن الإرشاد يأخذه من الله رأساً لتقديم الحقائق التي توقظ الضمير وتسد حاجات النفس. والروح القدس يعرف حاجة كل فرد كما يعرف حاجة الجماعة إجمالاً؟ لذلك يستطيع أن يرشد المتكلم إلى الأقوال المناسبة؟ سواء كان هذا المتكلم يعرف أحوال السامعين أم لا. فما ألزم الخضوع لقيادة الروح القدس خضوعاً تاماً.

على أن أهم شيء يميز الخدمة بالروح إنما هو دافع الحب الشخصي للمسيح «أتحبني؟» (يو21: 15-17)؟ هذا هو السؤال الذي قدمه الرب لبطرس ثلاث مرات. والرسول بولس يقول «لأن محبة المسيح تحصرنا» (2كو5: 14). وشتان بين هذا الباعث للخدمة وبين البواعث الأخرى الطبيعية التي قد تدفع الناس إلى الخدمة. ويحسن بنا دائماً كلما أديناً خدمة أن نسأل أنفسنا بضمير صالح:


أما كان العامل في التكلم حب الشهرة؟
-----------------------------------------

حتفهمه ايه ان كان هو مش عارف حاجة عن الله
ألم تدفعني قوة العادة؟

ألم يكن القلق من عدم وقوف أحد للتكلم هو الباعث لي للوقوف؟

أم كان الدافع هو الحب للمسيح وقطيعه؟

ثم إن الخدمة بالروح تمتاز دائماً بشعور قوى بمسئولية أمام المسيح.

والآن أيها الاخوة لنفرض أن كل واحد منا ابتدأ يسأل نفسه عند نهاية كل اجتماع: ترى لماذا طلبت الترنيمة الفلانية؟ أو لماذا قرأت ذلك الفصل؟ أو لماذا قدمت صلاة بتلك الصورة؟ أو نطقت بتلك الكلمة؟ فهل يكون الجواب على هذه الأسئلة صريحاً؟ وهل يستطيع كل واحد أن يقول بضمير صالح إن الدافع الوحيد إنما كان اقتناعي أنها بحسب مشيئة السيد؟ وإني شعرت أمام الله أن تلك الخدمة كانت مرتبة ومعينة لي من سيدي وربى؟ أم أننا في بعض الأوقات نشترك في العبادة بدون شعور بالمسئولية أمام المسيح؟ «إن كان يتكلم أحد فكأقوال الله» (1بط 4: 11)؟ والمعنى ليس أننا نتكلم من كتاب الله فقط؟ بل بالحري يجب أن تكون أقوال المتكلم هي أقوال الله نفسه للجماعة؟ وهو الذي أعطاه أن ينطق بها في ذلك الوقت.

وعلى القديسين أن يحكموا فيما قال بحسب ما ورد في كلمة الله. ومتى تدربت ضمائرنا على العمل بمقتضى مسئولية كهذه؟ تقل الأمور التي نشكو منها في الاجتماع؟ وفي الوقت نفسه تكون للروح القدس فرصة لإظهار قيادته؟ ونحن نتمتع بذلك فعلاً. وما أجمل قول الرسول في 2كورنثوس 2: 17 «كما من إخلاص بل كما من الله نتكلم أمام الله في المسيح».

وهناك ملاحظة أخرى في غاية الأهمية وهي الخلط في الصلوات بين أقانيم اللاهوت: فنجد أخاً مثلاً يفتتح صلاته بمخاطبة الله الآب؟ ثم يتقدم في الكلام وكأنه يعنى أن الآب قد مات على الصليب ودفن وقام؟ أو يخاطب الرب يسوع ثم يبتدئ يشكره؟ لأنه أرسل ابنه الوحيد إلى العالم. فهل أقوال كهذه تصدر من قيادة الروح القدس؟ إن الذين يقودون القديسين هم في حاجة إلى «روح النصح (الرشاد)» لمنع تشويش كهذا. إنه لا يوجد مسيحي يعتقد أن الآب مات؟ أو أن المسيح أرسل ابنه إلى العالم. إذن أين روح النصح الذي يجب أن يميز عبادة القديسين فلا ينطقون بألفاظ هم أنفسهم لا يعتقدون بصحتها لأنها غريبة في بابها؟


ملاحظات أخرى
--------------------

1- يوجد حد أو قيد من الله لعدد المتكلمين في الاجتماع الواحد؟ مذكور في 1كورنثوس 14: 29 «أما الأنبياء فليتكلم اثنان أو ثلاثة وليحكم الآخرون».

وهنا نرى أيضاً أنه فضلاً عن اقتناعي أولاً بأن الله دعاني للتكلم في الاجتماع فإني حتى بعد التكلم أترك لإخوتي حق الحكم. ويجب أن يكون حكمهم فرضاً علىَّ يلزم اتباعه؟ فلا يسوغ لي الكلام أو الاشتراك في الخدمة في حالة عدم رضى الاخوة عن خدمتي؟ إذ من الواضح جداً أنه متى دعاني الله للتكلم أو الصلاة مثلاً في وسط الجماعة؟ وكانت الدعوة حقيقية صادرة منه بإقناع لدىَّ؟ فكما أعدَّ قلبي لقبول تلك الخدمة هكذا هو يُهيئ قلوب القديسين للمصادقة عليها؟ إذ الروح القدس الذي أرشدني وعمل في للخدمة هو أيضاً ساكن في القديسين وعامل فيهم. ومتى كانت القيادة صحيحة تظهر مطابقة الخدمة أو السجود بين الخادم والمخدومين؟ لأن الروح واحد. إذاً متى وجدت أن القديسين قد تثقلوا وتضجروا من خدمتي في وسطهم؟ فيسوغ لي أن أستنتج أنني أخطأت الإرشاد؟ وأن الخدمة التي مارستها لم أقبلها من الرب ولا دعيت إليها.

ولكن من الجهة الأخرى لنفرض أن سبب عدم قبول الخدمة من شخص ما في وقت ما ليس لعيب في الخادم نفسه بل في المخدومين؟ بمعنى أن حالة الجماعة هي المنحطة؟ والخادم روحي أكثر من الجماعة بحيث أن المجتمعين ليس في طاقتهم تتبع أفكاره أو إدراك قيمتها؟ فما العمل في ظروف كهذه؟ إن هذه الحالة نادرة الوجود جداً؟ ولكن لنفرض أنها وجدت؟ ألا يجوز لنا أن نقول لخادم المسيح: عليك أن تتمثل بسيدك؟ فلا تتكلم مع السامعين إلا على قدر ما يستطيعون أن يفهموا أو يحتملوا؟ أَلا نطلب منه أن يتعلم من الرسول بولس فيأخذ من روحه إذ استطاع أن يقول «سقيتكم لبنا لا طعاما لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون بل الآن أيضا لا تستطيعون» (1كو3: 2)؟ أو قوله أيضاً «كنا مترفقين في وسطكم كما تربى المرضعة أولادها» (1تس2: 7). ولكن إذا كان مع استعمال وسائط كهذه من تلطف وعناية ورفق لا تزال خدمته غير مقبولة منهم؟ فلا فائدة من إجبارهم عليها. وأحسن علاج في هذه الحالة إنما هو الانتظار؟ وخادم الرب في هذه الأحوال يرى أن السكوت حكمة أو ربما يستنتج أن قصد الرب هو أن يحوّل خدمته إلى دائرة أخرى.

2- الآن أريد أن أحذركم أيها الاخوة الأحباء مما يحتمل أن الشيطان يوقعكم فيه بسبب ما تقدم من الأقوال؟ وهو روح الانتقاد لكل ما يحدث في الاجتماع. لأن إبليس دائما يسعى أن يقودنا إلى التطرف في كل أمر. وإذا كنا أحياناً نتجاوز الحد في أمر التساهل من جهة ما يحدث في الاجتماع وعدم الاكتراث بما يُملأ به الفراغ؟ فيحتمل أننا قد نتطرف في أمر الانتقاد أيضاً. ولكن الرب الصالح وحده يحفظنا برحمته. إذ لا يوجد أتعب للقلب من روح الانتقاد الذي يحرم الإنسان من التعزية والبركة.وينبغي أن نتذكر أننا مجتمعون لتقديم السجود لله وبنيان أحدنا الآخر لا لأجل انتقاد من يخدم بالجسد ومن يخدم بالروح. نعم متى ظهرت حركات الجسد فيجب الحكم عليها. ياله من أمر محزن ومخجل أن نعرف حركات الجسد ونميزها؟ لكن نحكم عليها بكل تواضع. أما روح الانتقاد فلنحترس منها.

إن عدم التحقق من قيادة الروح القدس سواء في الصلاة أو الترنيم أو في خدمة الكلمة هو خطأ يجب أن نجتهد في تجنبه؟ أما الانتقاد فهو خطية. إنه شر يجفف ويتلف حياة الشخص الذي يجلس في الاجتماع لكي يحصى أخطاء إخوته وينتقدها؟ وقد ينخدع بأنه أكثر غيرة من إخوته في التمسك بالحق. وكثيراً ما يستخدم العدو حالة الانتقاد هذه لإضعاف المحبة ولإيجاد خلافات وتحزبات وتشويشات بين جماعة المؤمنين. فلنصحُ ونسهر ضد هذه الروح الرديئة؟ روح الانتقاد والذم في الآخرين «لا يئن بعضكم على بعض أيها الاخوة لئلا تدانوا. هوذا الديان واقف قدام الباب» (يع 5: 9).

وعلينا أن نفهم أنه توجد مواهب صغرى كما توجد مواهب عظمى؟ ولنعلم أيضاً أن الوحي قال إنه يعطى الناقص كرامة أفضل؟ ثم إذا تصادف أن أخا قدم جزءاً من خدمته بالجسد؟ فلا يؤخذ من ذلك أن خدمته كلها بالجسد. ولكن يجب على من يخدم أن لا يتعدى قياس الموهبة المعطاة له «أَنبوة فبالنسبة إلى الإيمان»؟ أما إذا تجاوزت الخدمة هذا الحد فهي من الجسد؟ والتقدم بالجسد يعرض الخدمة نفسها كلها للرفض؟ ويكون الخادم هو السبب في ذلك لأنه لم يحصر خدمته ضمن حدود مقدرته فأخذ يكمل بالجسد؟ فاعتبرت الخدمة كلها بالجسد؟ ولا غرابة في ذلك. هذه النصيحة الأخيرة موجهة للخدام أنفسهم؟ ولكن غرضي من إيرادها هنا أن أنبه أذهانكم إلى عدم الحكم على خدمة أخ؟ لأن بعضها كان بالجسد؟ بل يجب أن نتقبل ما هو من الروح ونميزه عما سواه.

3-إن النغمة التي تُرنَّم بها الترنيمات لها فاعلية عجيبة في إبراز معاني الترنيمة. وما أكثر الترنيمات التي ضاع جمال معانيها وانطفأ بريق أسلوبها بسبب النغمة غير المناسبة التي رُنمت بها. لذا؟ فعلى عاتق المرنمين في الاجتماع تقع مسئولية هذا الأمر. فينبغي أن يجتمع هؤلاء في فترات متقاربة ليتعلموا النغمات الجديدة الجميلة. وعليهم أن يتقدموا الترنيم بأفواه مملوءة ترنماً منعشاً مسلِّمين مواهبهم في هذه الناحية للروح القدس.

4- إن إنشاد الترنيمات الطويلة من أولها إلى آخرها ناشئ عن سوء فهم؟ فلقد استقر في أذهان الكثيرين أنه ما دامت الترنيمة تتكون من سبعة أعداد مثلاً فلابد من ترنيم الأعداد السبعة جميعها باعتبارها وحدة واحدة. وهذا الاعتبار غير صحيح في كثير من الترنيمات؟ بدليل أن ترنيمات كثيرة تتناول عدة موضوعات روحية أو مبادئ تعليمية. لذا يجب أن تُطلب الأعداد الموافقة لاتجاه العبادة فقط؟ وأن يكون هذا -كما سبق وأوضحنا - باختيار الروح القدس الذي يعرف طعام الجماعة كلها.

5- قد تكون هناك صلوات مملؤة من الأخطاء التعليمية؟ ومع أنها تقدم بنية صالحة ولكنها تسبب تشويشاً في الاجتماع؟ فما العمل؟

ولماذا التشويش؟ وممن يحصل في هذه الحالة؟ إن مثل هذه الأخطاء تكون عادة من أخ حديث الإيمان؟ وهذا بحسب التعبير الكتابي «طفل في المسيح»؟ فهو يعبر عن حاسياته بأسلوبه الخاص وعلى قدر إدراكه؟ ولا شك في توفر النية الصالحة عنده؟ بل ربما الوقار والهيبة لجلال الرب الحاضر في الاجتماع يملآن كيانه أكثر من بعض الاخوة المميزين. فهو إذاً لا يقصد التشويش؟ إنما التشويش يحصل لأن أخاً مميزاً واسع الإدراك لكنه ضيق الصدر يتذمر من هذه الأخطاء غير المقصودة.

فبدل التزمت والتضيق في الأحشاء إزاء غلطة من طفل في الإيمان؟ يجب أن تكون لنا العواطف الرعوية؟ والمحبة المتأنية؟ التي بها نسند ونشجع لأن «العلم ينفخ ولكن المحبة تبني» (1كو 8: 1). أما الذين ليست لهم موهبة «الرعاة» في الاجتماع فهؤلاء هم الذين يحدثون التشويش بتذمراتهم التي ليست في محلها؟ وإن كانت في الظاهر بحسب الحق. وما أشر التذمر وما أردأ نتائجه كما أسلفنا.

وحتى إذا صدرت هذه الأخطاء من أخ مميز مدرب الحواس؟ فليس هناك ما يدعو إلى نقدها والتشهير بها في الاجتماع؟ لا تلميحاً ولا تصريحاً؟ إنما يجب على الاخوة الروحيين لفت نظر مثل هذا الأخ بروح المحبة في زيارتهم الخاصة له.

وإذا كانت الغاية العظمى من اجتماعاتنا هي البنيان فكيف يحصل هذا البنيان ومحبتنا بعضنا لبعض لا تتأنى ولا ترفق ولا تحتمل؟ ولا ننسى أيضاً أن المحبة «لا تتفاخر ولا تنتفخ».

6- ما العمل إزاء أفراد حالتهم الروحية منخفضة المستوى ولكنهم يستمرون يخدمون داخل الاجتماع خدمة آلية؟

غالباً ما يكون هؤلاء من أصحاب المراكز الأدبية أو من ذوى الجاه واليسر؟ وهم يخدمون في الاجتماع ليس كمن يخدمون الرب بل كعادة تعودوا على ذلك؟ أو لأسباب تتعلق باعتباراتهم الشخصية. هؤلاء حجر عثرة كبير في طريق العبادة بالروح والحق. والكنيسة المحلية عليها أن تتصرف بأمانة إزاء هؤلاء؟ فتبصّرهم وتنصحهم وتطبق الحق في غير محاباة. لأن دعوة المؤمنين وتحريضات الكتاب لهم تهدف إلى أن يكونوا من جهة السلوك فطيراً خالياً من كل خمير. فإذا لم يتوفر هذا السلوك النقي في أي عضو من أعضاء الكنيسة تكون الجماعة ملومة إذا هي سكتت على هذا السلوك غير المستقيم. وأول ما ينبغي أن تعمله هو أن تأخذ مركز الإتضاع والتذلل أمام الرب لكي يتداخل بسلطانه الإلهي ويقوّم الاعوجاج ويصحح الأخطاء؟ ويحاول الروحانيون في الجماعة إقالة هذا الأخ؟ فإن الجماعة لا يجوز لها أن تسمح ببقاء الشر في وسطها؟ بل عليها أن تحكم على ذلك الأخ كما أوضحنا في فصل سابق.

7- ثم هناك كلمة صغيرة عن وصية إلهية رغم وضوحها يهملها كثيرون خصوصاً في القرى. تلك هي وصية الرب من جهة كشف الرجال رؤوسهم وهم في حضرته للسجود والعبادة. سببان هما الباعث على مخالفة هذه الوصية: أولهما أننا في البلاد الشرقية قد استقر العرف على أن لبس غطاء الرأس هو علامة احترام بصفة عامة. والسبب الثاني هو اليقين بأن العبادة في العهد الجديد ليست شكلية بل بالروح والحق؟ ولا يهم فيها كشف الرأس أو خلع النعلين..الخ.

أما عن السبب الأول فإن أي تقليد بشرى مهما كانت حكمة الناس التي قررته يجب أن يُطرَح جانباً إذا كانت كلمة الله التي هي دستور سلوكنا تطرحه. وماذا تقول الكلمة؟ «كل رجل يصلى أو يتنبأ وله على رأسه شيء يشين رأسه. وأما كل امرأة تصلى أو تتنبأ ورأسها غير مغطى فتشين رأسها» (1كو 11: 4؟5). إذاً يجب أن يكشف الرجل رأسه ويجب أن تغطي المرأة رأسها في الاجتماع لأنه « ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس» (أع5: 29).

أما عن القول الثاني؟ فصحيح أن العبادة في العهد الجديد روحية لا طقسية ولا شكلية؟ لكن إن كانت هناك وصية إلهية تتعلق بشكل هذا السجود الروحي وجبت إطاعتها تماماً. وهل يمكن أن تنسكب القلوب في الحضرة الإلهية سجوداً وتعبداً مع الإصرار على العصيان والمخالفة؟

لكن هل كشف الرجل رأسه وتغطية المرأة رأسها أثناء الصلاة أو التنبؤ هو مجرد وصية تطاع طاعة عمياء دون سبب يبررها أو حكمة تفسرها؟

هناك حكمة ولا شك؟ فإن مناسبة اقتراب المؤمنين والمؤمنات إلى محضر الله لأجل السجود هو أعظم المناسبات التي فيها يستعلن ترتيب الله وحكمته في الخليقة. والإصحاح 11 من 2كورنثوس يوضح لنا هذا الترتيب؟ إذ يذكر أن رأس المسيح هو الله؟ وأن رأس الرجل هو المسيح؟ وأن رأس المرأة هو الرجل. وعليه فعندما يقترب الرجل من محضر الله سواء في سجوده الفردي أو في الاجتماع؟ ينبغي أن يكشف رأسه لكي يعلن بذلك مجد المسيح؟ الذي هو رأس الرجل. وعلى الجانب الآخر؟ فعلى المرأة أن لا تكشف رأسها عندما تقترب من محضر الله لتعلن أن المجد الذي ينبغي أن يظهر هو مجد المسيح لا مجد الرجل؟ إذ أن الرجل هو رأس المرأة.

هذا هو الترتيب الذي قصد الله أن يعلنه في اجتماع المؤمنين لكي تطَّلع عليه الملائكة التي تتعلم الآن من الكنيسة حكمة الله المتنوعة.

وما علاقة هذا الترتيب بالرؤوس المكشوفة أو المغطاة؟

الجواب هو أن المرأة حين تغطى رأسها في الاجتماع فهي تعبر عن أن مجد رأسها (أي مجد الرجل) يجب أن لا يظهر مادامت الرئاسة للرب الحاضر في وسط المؤمنين. والرجل حين يكشف رأسه في الاجتماع فهو يعبر عن أن مجد رأسه (أي مجد المسيح) يجب أن يظهر مادامت الرئاسة للرب الحاضر في الوسط.

إذاً الرجل الذي يغطى رأسه كأنه يعلن أمام الناس والملائكة أن مجد المسيح يجب أن يختفي فيظهر مجده هو. والمرأة التي تكشف رأسها في الاجتماع كأنها تعلن أمام الناس والملائكة أن مجد رجلها هو الذي يجب أن يظهر وسط المجتمعين. وما أصعب هذه الإهانة على قلب ابن الله؟ تلك التي يقترفها بعض المؤمنين في اجتماعاتهم عن جهل في عدم طاعة لكلمة الله الصريحة.

8- يجب على الشبان يخضعون للشيوخ لا أن يسودوا عليهم. «وكذلك أيها الأحداث اخضعوا للشيوخ وكونوا جميعاً خاضعين بعضكم لبعض؟ وتسربلوا بالتواضع؟ لأن الله يقاوم المستكبرين؟ وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة» (1بط 5:5).

كما أن الشيوخ؟ بلا شك؟ عليهم أن يظهروا كل محبة وعطف على المؤمنين الأحداث كما يقول الرسول «كنا مترفقين في وسطكم كما تربى المرضعة أولادها. هكذا إذ كنا حانين إليكم كنا نرضى أن نعطيكم لا إنجيل الله فقط بل أنفسنا أيضاً. لأنكم صرتم محبوبين إلينا» (1تس2: 7و8)؟ وأن يصححوا أخطاءهم بالرفق والمحبة؟ وأن يشجعوهم على تحمل نصيبهم في المسئولية والعبادة بحسب إرشاد الروح القدس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010