" التسليم الرسولى "ا

التسليم الرسولى
===========
للقمص بولا عطية
-----------------------

تقابل مارك وهو فى طريقه إلى الكنيسة ليجلس مع أبونا جلسته المعتادة ليتعرف على حقائق إيمان كنيسته الأرثوذكسية مع زميله جوزيف الذى كان فى طريقه إلى إحدى الجمعيات الغير الأرثوذكسية ؛ لحضور أحد الاجتماعات فدار بينهما الحديث الآتى :

مارك : على فين يا جوزيف ؟
جوزيف : تعالى معايا وأنت تعرف
مارك : أنا مش فاضى أنا عندى ميعاد مع أبى الروحى، هاتناقش معاه فى مواضيع هامة أدعوك أن تحضر معى .
جوزيف : خليها وقت تانى وتعالى معايا علشان نحضر اجتماع فى الجمعية ، هاتنبسط خالص من الأخ (فلان) وعظته معزية ومنعشة وكلها من الكتاب المقدس – ماتخافش أبدا مش بيتعرض لأى عقائد ، لان هذه الجمعية لاطائفية – لان يوم الأحد كل واحد بيروح كنيسته عادى وكل واحد لما يكبر يتزوج فى كنيسته ، ولما ينتقل أحد بيتصلى عليه فى كنيسته .
مارك : لا طبعا مش ممكن لأنى شبعان فى كنيستى من كل حاجة حلوة ومش محتاج أنى أروح حته تانية، لان كنيستى الأرثوذكسية بتعلمنى الأيمان الصحيح المبنى على تعاليم السيد المسيح والمُسلم للرسل . وبعدين أنا النهاردة عايز أتناقش مع أبونا فى موضوع التقليد الكنسى أو بيسمى أيضاً التسليم الرسولى من حيث مفهومه وعلاقته بالكتاب المقدس ودوره فى الكنيسة . ياريت يا جوزيف تيجى معايا علشان تسمع الكلام من فم أبونا.
جوزيف : أنا هاروح الاجتماع دلوقتى ولى جلسة معاك علشان أنا مش عارف إيه التقليد اللى بتقولوا عليه ده – إحنا بنلتزم بالكتاب المقدس وبس .
مارك : أتفضل يا جوزيف وربنا يرتب لنا فرصة نتناقش فيها أعرفك أهمية التقليد .
وحيا كل منهما الآخر وانصرفا خطوات قليلة ، ثم نادى جوزيف على مارك قائلا له سوف اذهب يا مارك معاك إلى الكنيسة ونتقابل مع الأب الروحى .
وبالفعل وصلا مارك وجوزيف إلى أبونا الكاهن ، فرحب بهما وجلسا ودار بينهما الحديث التالى :
أبونا : أهلا يا مارك مش تعرفنى بصديقك ؟!
مارك : أيوه يا أبونا ده جوزيف صديقى ، متعمد فى الكنيسة الأرثوذكسية وبعدين أخذه صديق له إلى أحد الجمعيات الغير الأرثوذكسية بحجة أنها لاطائفية ولما تقابلت معه اليوم دعانى أن اذهب معه ، فقلت له أنا ذاهب الآن إلى أبى الروحى علشان أتناقش معه فى موضوع التقليد الكنسى. فقال لى جوزيف انهم قالوا انه لا توجد تقاليد فى الكنيسة ، ولا يوجد شئ غير الكتاب المقدس وحده وجه معايا لكى يتفهم هذا الموضوع .
أبونا : أهلا يا جوزيف
جوزيف : أهلا بحضرتك (طبعا جوزيف لا يقول أهلا يا أبونا لأنه بعيد عن الكنيسة وليس عندهم آباء كهنة لان فى الجمعيات والكنائس غير الأرثوذكسية لا كهنة ولا كهنوت ) .
أبونا : لماذا يا جوزيف ترفض التقاليد فى الكنيسة ؟
جوزيف : أنا فى الجمعية والكنيسة التى اذهب إليها يقولون لنا ، ويوزعون علينا أوراق وكتيبات ملخص محتواها تقول " يوجد طريق واحد حسب الكتاب المقدس ، وليس عن طريق الأعمال الصالحة أو التقاليد الكنسية حتى ولو نشأت ولد طيب .."
مارك : عايز يا أبونا نعرف المفهوم الصحيح للتقليد فى كنيستنا .
أبونا : التقليد المقدس يا ابنى هو الانجيل الشفاهى أو التسليم الرسولى بمعنى أنه كل تعليم وصل إلينا عن طريق التسليم الرسولى أو الآبائى ، غير الكلام الذى ترك لنا كتابةً فى الكتاب المقدس ، فى موضوعات ربما لم تذكر فى الكتاب، ولكنها لا تتعارض معه فى شئ ما . والتقليد أقدم من الكتاب المقدس .
مارك : من فضلك يا أبونا كيف يكون التقليد أقدم من الكتاب المقدس ؟!
أبونا : لعل أقدم ما وصل إلينا من الشريعة المكتوبة كان على يد موسى النبى ، الذى عاش فى القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد – لكن التقليد أقدم من هذا بكثير … آلاف السنين مرت على البشرية بدون شريعة مكتوبة فمن الذى كان يقود تفكيرها … الضمير من جهة ويسمى الشريعة الأدبية . والتقليد من جهة أخرى وهو تسليم جيل لجيل آخر .
مارك : من فضلك عايز أمثلة للتقليد فى العهد القديم .
أبونا : هناك يا مارك أمثلة كثيرة فمثلا :

(1) شريعة المذبح والذبيحة :
علم الله آدم طقس تقديم الذبيحة الحيوانية (الدموية) وذكر ما يشير إلى ذلك فى الكتاب المقدس عندما قال (وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من الجلد وألبسهما ) (تك21:3).
وأنتقل هذا الطقس من آدم إلى هابيل إبنه الذى ذكر عنه انه قدم قربانا لله من أبكار غنمه ومن سِمانها (تك 4:4) . وفى تلك الفترة لم يكن موسى قد كتب عن الذبائح والمحرقات – كذلك ما قدمه نوح البار من ذبائح من البهائم الطاهرة والطيور الطاهرة – واصعد محرقات بعد الطوفان (تك 8: 2-6) .

(2) وصية تقديم العشور :
عند مقابلة أبينا ابرآم لملكى صادق (أعطاه العشور من كل شئ) (تك 20:14).
أى أن فكرة تقديم العشور للكهنة فى تلك الفترة تسلمها إبراهيم من الآباء السابقين شفاهيا .

(3) وصيـة لا تـزن :
هذه الوصية من الوصايا العشر التى لم تُعرف مكتوبة إلا فى الإصحاح العشرين من سفر الخروج . ومع ذلك لم يفعل يوسف الصديق الخطيئة وقال كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله .
انه صوت التقليد الشفاهى الذى جعل يوسف يثبت أمام الخطيئة ويتغلب عليها .


جوزيف : وطبعا بعد شريعة موسى المكتوبة انتهى دور التقليد
مارك : أظن أن التقليد لم ينتهى يا جوزيف ، نسمع التعليم الصحيح من أبونا .
أبونا : من خلال الدراسة لأسفار العهد القديم نجد أن طقس خروف الفصح أمر الله به موسى النبى فى سفرى الخروج والتثنية ، إلا أن هناك إضافات حدثت أدُخلت على طقس خروف الفصح من الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى النبى واحترمت هذه الإضافات وعمل بها منها :

+ انه فى البداية كانوا يحتفلون بأكل الفصح واقفين وفى الأزمنه الأخيرة كانوا يأكلونه وهم متكئين ليتذكروا دخولهم وإستقرارهم فى أرض كنعان .
+ كذلك أصبحوا يرنمون المزمورين ( 113،118 ) .
+ كما أضافوا تقديم وعاء به أثمار ممزوجة بالخل لتذكرهم بمرارة العبودية فى مصر .
وقد احترم ربنا يسوع المسيح له المجد هذا الطقس مع الإضافات الجديدة ، لذلك يقول لنا الانجيل [ ".. ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون (مر 26:14) " يوم الخميس مساءً .. ] وهذا التسبيح عبارة عن المزامير التى كانت تتلى أثناء أداء الفصح . وعلى فكرة يا أولادى هناك أمور حدثت فى العهد القديم ولم تدون ، بل تناقلت من خلال التقليد والتسليم الشفاهى غير المكتوب ، ثم بعد ذلك كُتبت تلك الأحداث فى العهد الجديد .

مارك و جوزيف : أحداث لم تذكر فى العهد القديم وتناقلت بالتقليد للعهد الجديد !!! زى إيه ؟
أبونا : مثلا

( 1 ) ذكر معلمنا يهوذا الرسول فى رسالته حادثة عن قصة دفن موسى النبى لم يسبق ذكرها فى كتب العهد القديم عندما أرسل الله ميخائيل رئيس الملائكة لاخفاء الجسد عن الشعب وحدثت مخاصمة بين ميخائيل وإبليس الذى يريد إظهار الجسد وقد استطاع ميخائيل أن يقهر الشيطان بقوة مشيئة الله ، فقال للشيطان لينتهرك الرب وهكذا انهزم الشيطان واستمر جسد موسى مخفيا (يه 9) – وقد عرف هذه الحادثة القديس يهوذا عن طريق التسليم الشفاهى غير المكتوب .
( 2 ) كمان نبوءة آب الآباء أخنوخ عن مجئ الرب ثانية للدينونة (يه 12-15) ولم يرد عنها إيه إشارة فى كتب العهد القديم وإنما كانت معروفة ومتداولة بالتقليد المقدس فى كنيسة العهد القديم .
( 3 ) وأيضا يا جوزيف . ذكر القديس بولس الرسول فى رسالته الثانية لتلميذه تيموثاوس عن أسمى الساحرين اللذين قاوما موسى النبى فقال [ وكما قاوم ينيس ويمبريس موسى كذلك هؤلاء أيضا بقاومون الحق ] (2 تى 8:3) ونحن لا نجد هذين الاسمين فى أسفار موسى الخمسة ولا فى أى سفر من أسفار العهد القديم .
جوزيف : فعلا يا مارك يبقى كده فيه تقليد بجانب الكتاب المقدس .
بس هل تفتكر يا مارك أن هناك تقليد فى العهد الجديد. عهد النعمة ؟
مــارك : نسأل أبونا – ما رأى قدسك فى كلام جوزيف ؟ هل هناك تقليد فى عهد النعمة – العهد الجديد ؟
أبونا : عارف يا مارك أنت وجوزيف ، المسيحية منذ بدايتها مبنية على التلمذة ، فالسيد المسيح له المجد عندما بدأ يبشر بملكوت السموات دعا تلاميذه أولا ثم بعد ذلك بدأ يكلمهم عن أسرار ملكوت السموات ويسلمهم مراسم العبادة وطقوسها وعندما أرسلهم للكرازة والخدمة قال له المجد {أذهبوا وتلمذواً جميع الأمم وعمدوهم ، وعلموهم أن يحفظواً جميع ما أوصيتكم به .. } فكثيراً ما كان ينفرد ربنا يسوع المسيح بتلاميذه ويعلمهم ويكلمهم وحدهم عن أسرار ملكوت السموات (أع3:1،مر13:3) . بالإضافة إلى أن ربنا يسوع المسيح له المجد لم يكتب إنجيلا ولم يكن معه إنجيل مكتوب نزل به من السماء ، بل ترك بشارةً وسيرةً وتلاميذاً ليعلمواً جميع الأمم. وبالفعل سلم الرسل من بعده ما استلموه من الرب يسوع وهذا يفهم مما قاله الرسل فى رسائلهم وعلى سبيل المثال : ما قاله القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس أسقف افسس " وما سمعته منى بشهود كثيرين ، أودعه أناسا أمناء ، يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضا " (2 تى 2:2) وقبل كل شئ فإن المسيحيين الأول ظلوا حوالى عشرين سنة بدون إنجيل مكتوب وكان الرب يضم كل يوم مؤمنين إلى كنيسته عن طريق الانجيل الشفاهى .
أى التسليم (أع 41:2) (أع 21:11 ،24) .
جوزيف : لكن على فكرة هناك الكثير من الجمعيات غير الأرثوذكسية التى أذهب إليها وكثير من الكنائس غير الأرثوذكسية لا يؤمنون بالتقليد ولا يلتزمون إلا بالكتاب المقدس .

أبونا : نعم ولكن بهذا الوضع يتركون كل التراث الذى تركته الأجيال السابقة للكنيسة – كل ما تركه الآباء الرسل وآباء الكنيسة الأوائل والمجامع المسكونية المقدسة والقوانين والنظم الكنسية . علماً بأن التقليد هو الذى حفظ لنا الأيمان السليم – سلمه جيل إلى جيل – فلو ترك كل شخص لنفسه يرى ما الذى يفهمه من آيات الكتاب لوجدت شيع ومذاهب متعددة لا تربطها وحدة الأيمان لان الكتاب المقدس شئ وطريقة تفسيره شئ آخر .
مارك : هل يا جوزيف البروتستانت يسلكون بدون تقليد ؟
أبونا : البروتستانت أيضا لهم تقاليد على الرغم من إنكارهم للتقليد الرسولى . لهم تقاليد يحفظونها ويلتزمون بها . ولهم طقوس مع إنكارهم للطقوس، ولهم قراءات ثابتة فى الرسامات وفى أمور الزواج والمعمودية وفى مناسبات الموت ، على الرغم من إنكارهم للصلوات المحفوظة .
إذن لهم تقاليد ولكنهم ينكرون التقاليد التى يرونها مخالفة لعقائدهم .
مارك : إذن هم كمان يسلكوا حسب تقاليد موروثة .
أبونا : نعم يا مارك هم يسلكون حسب تقاليدهم الموروثة– مثال ذلك : من أين عرفوا وتعلموا حفظ يوم الأحد وتقديسه بدلا من يوم السبت ؟!! … مع إنه لم يذكر تصريح مباشر فى الكتاب المقدس بذلك ... أيضاً كذلك رشم الصليب وطريقة رشمه من أعلى على الجبهة واسفل على البطن ومن الشمال إلى اليمين مع إنه لم يذكر بالإنجيل طريقة رشم الصليب . بالإضافة إلى شريعة الزوجة الواحدة . وطريقة الصلاة بالتسبيح من حيث الجلوس - (الاخوة البروتستانت يصلون وهم جالسين ، وهم يسلكون بذلك خلاف كل الكنائس المسيحية الأخرى من أرثوذكس وكاثوليك) - أثناء الصلاة والتسبيح فلم يذكر أن المسيح مع الرسل ، أو الرسل أنفسهم كانوا يسبحون وهم جالسين .
وعند تعيين قس عندهم يقومون بكل تأكيد بتسليمه الطقوس والنظم الخاصة بالصلوات له وهكذا تسير الكنائس الغير مؤمنة بالتقليد المقدس بتسليم طقوسها وعقائدها . وهذا فى حد ذاته تقليد خاص بهم يعملون به وينفذونه .
جوزيف : إذا كان لهم التقليد الخاص بكنائسهم فلماذا ينكرون التقليد الرسولى الذى وصل إلينا بالتسلسل من الآباء الرسل الأطهار وحفظ فى الكنيسة الجامعة الرسولية إلى الآن ؟
أبونا : ماننساش يا جوزيف أن البروتستانت عندما يقولون الكتاب المقدس وحده هو مصدر التعليم فى الكنيسة نسيوا انه بالتقليد عرفنا الكتاب المقدس نفسه ، فبالتسليم وصلت إلينا الكتب المقدسة ، وما كنا نعرفها ونميزها بغير هذا الطريق . والمجامع المقدسة هى التى حددت لنا كتب العهد الجديد بناءً على ما تسلمته الكنيسة من الآباء الرسل .
مارك : فعلا يا أبى ده ملحوظة مهمة جداً . شكراً يا أبونا ربنا يبارك لنا فى قدسك ، أنا استفدت كده معلومات عظيمة . وعرفت كويس وتأكدت أن كنيستنا الأرثوذكيسة التى تؤمن بالتقليد والتسليم والتلمذة إنما هى كنيسة إنجيلية تحمل تراث ثمين من التقاليد الصحيحة . وفعلاً ومن الخسارة لأى كنيسة أن تفقدها فتصبح بلا ماضى وبلا ضابط .
أبونا : أنا مبسوط جداً منك يا مارك لأنك بتجتهد فى معرفة حقائق إيمان كنيستك وربنا يجعلك بركة فى كل مكان تتواجد فيه .
وكمان مبسوط من جوزيف لانه بيسعى أن يعرف الحق الذى ولد فيه منذ صغره .
جوزيف : أنا شعرت بأن هناك أمور كثيرة فى الأيمان تحتاج إلى إيضاح فأرجو صلواتك يا أبى ومحتاج جلسات أخرى مع قدسك .
أبونا : أنا ماعنديش مانع يا جوزيف وأنا فى انتظارك فى أى وقت أنت وصديقك مارك .
حتة موضوع تحفة يا تاسونى
و الغريب إن من يرفضون التقليد يؤمنون بالكتاب المقدس الذى ذكر فى مواضع كثيرة منه أن هناك أشياء سلمها بطرس الرسول شفاهة للكنائس. و إنه رتب أمور كثيرة للخدمة معهم.
و لو سردنا الآيات سنجدها كثيرة و لا تحصى.
يا ريت لو كل واحد قرأ الموضوع ده حط لنا آية تدعم أن هناك أشياء كثيرة تم تسليمها بالتقليد الشفاهى من الرسل إلى الكنائس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010