لا تقل أنها من عمل الله

لا تقل أنها من عمل الله
=================

بقلم: نيال فيرجسون
-----------------------------


الكوارث تقع، ففي أول نوفمبر 1755 سويت العاصمة البرتغالية لشبونة بالأرض بفعل زلزال قتل الألوف من سكانها مثل الاعصار الذي أغرق نيواوليانز مؤخرا، واوحت المأساة ليس فقط بالرهبة والروع من جبروت الطبيعة بل العطف على الضحايا مسلوبي الإرادة بل بكل صنوف الأقوال والتعليقات الاخلاقية، وكان أعمقها ما قاله الفيلسوف الفرنسي فولتير.
وبالنسبة لفولتير كان دمار لشبونة دليلا على أننا لا نعيش في أفضل العوالم، وهو موقف فلسفي له علاقة بموقف الفيلسوف الألماني جوتفريد ليبنتز الذي قال أن الشر والمعاناة جزء لا يتجزأ من النظام الذي وضعه الله. ولئن كان يستعصيان على التفسير إلا أنهما جزء حيوي من النظام الآلهي و العالم لا يكتمل إلا بهما وأن بدا هذا غريبا.
وكم واعظا من وعاظ الجنوب يقدم هذه الحجة في الوقت الذي تمتلئ فيه الشوارع بجثث الموتي. أو تطفو على سطح المياه المسمومة التي أطلقها أعصار كاترينا. وأعتقد أن معظم هؤلاء الوعاظ يفضلون ترديد الصلاة التي نشرتها كنيسة المسيح المتحدة في أعقاب الطوفان والتي تقول :
: يا الهي كن مع أولئك الذين أكتشفوا أن أحباءهم ماتو وأن البيوت والأعمال ضاعت. احتضنهم بذراعيك المبسوطتين دائما.
يا ألهي كن مع أولئك الذين يعانون الآن في الخيام.. مرهقين من قلة النوم والخوف دعهم يدركون أنهم ليسوا وحدهم.."
ومما لاشك فيه أنه من المناسب أن ندعو الله في أوقات كهذه.. ولكنهم قد يسألون : أين كان عندما حطمت كاترينا السدود؟ ولا يسعني إلا أن أفضل رجل الدين الذي وجه مثل ليبنتز هذا السؤال : كيف يسمح الله بوقوع الفظائع؟
وكان جواب فولتير عن هذا السؤال هو الموقف التقليدي للملحدين.. تقع الكوارث لأن الله غير موجود، كما كتب لصديق ذاكرا أن زلزال لشبونة هو " هو قطعة قاسية من فلسفة الطبيعية" وسوف نجد أنه من الصعب أن نكتشف كيف تعمل قوانين على النحو الكارثي في أفضل العوالم الممكنة حيث تسحق مئات الألوف من النمل، جيراننا في ثانية تهلك تحت الانقاض نعجز عن انتزاعها منها.. حياة الإنسان ليست إلا لعبة تلعب فيها المصادفة الدور الأول. ثم يتساءل فولتير :" ما عسي الوعاظ يقولون؟ وهو يريد أن يعبر عن الأمل في أن تتعلم البشرية درسا من فظاعة الزلزال الذي لا يفرق بين شخص وآخر. وكتب يقول : ينبغي أن يتعلم إلا يضطهدوا بعضهم بعضا، فبينما يحرق عدد قليل من الدجالين الذين يتظاهرون بالقداسة بعض المارقين، تنشق الأرض وتبتلع الجميع.
وللأسف كان هذا من قبيل التمني، فعل العكس فأن الرد الإنساني المشترك على كوارث الطبيعة هو تأكيد تفنيد العقيدة الدينية، فللدين مصادره القديمة في رغبة الإنسان أن يكتشف غاية تكمن وراء أعمال الطبيعة. ولا حاجة بي أن أذكركم أنه في العهد القديم فسر الطوفان في زمن نوح على أنه تطهير العالم من الخطيئة. ولذلك نسب اللاهوتي جون ويزلي زلزال لشبونة إلى "الخطيئة.. وأن اللعنة التي حلت بالأرض تعود إلى عصيان أدم وحواء" ولذلك سارع المعلقون المتدينيون والعلمانيون على السواء إلى أستخلاص المعني الاخلاقي لتدمير نيواورليانز. وبالطبع كان الرد المبتذل هو إلقاء اللوم على السلطات المحلية وسلطات الولاية والحكومة الفيدرالية بارتكاب خطيئة الأهمال.. وهي تهمة جعلت مسؤول سابق عن التخطيط أن يعلن " جميعنا مسؤولون" هل مسؤولين عن الأعصار. ولا يستبعد أن يوجد من يفسر ما حدث لأورليانز بالتفسير القديم أي أدانة المدينة التي كانت تفتخر بأنها مدينة الحفلات الدائمة، بيد أن عددا قليلا من الكنائس الآن يؤيد هذه الأدانة الأخلاقية. ولكن هذا ينطبق على المتطرفين الإسلاميين في أيامنا فقد نقلت وكالة الاسوشيتد برس أنهم " ابتهجوا للكارثة التي حلت بأمريكا ، وخلعوا على الأعصار رتبة عسكرية، وعندما قالوا: أن المجندة كاترينا انضمت إلى صفوف المجاهدين، وأعلنوا أنه بعون الله سوف يصل سعر برميل النفط إلى 100 دولار".
وتفسير الكارثة على أنها تأكيد لموقف ايدولوجي شائع بين كثير من الليبراليين الأمريكيين أيضا، ولم يتمهل معارضو الحرب في العراق أن يذكروا أن الحرس الوطني الذي كان من المفروض أن يسارع إلى نجدة ضحايا الاعصار الموجودين الآن في العراق أخفقوا في الحيلولة دون وقع كارثة موت المئات من العراقيين تحت الأقدام في بغداد.
ومن المحتم ايضا أن المدافعين عن البيئة لن يترددوا في تصوير الأعصار على أنه عقاب لإدارة بوش لرفضها التوقيع على بروتوكول كيوتو.. وقبل كل شئ فأن الوقود المستخرج من الحفريات مسؤول عن ارتفاع حرارة الأرض، وارتفاع حرارة الأرض يؤدي إلى المزيد من التقلبات الطقسية فضلا عن أرتفاع مستويات مياه البحار والمحيطات.. وحتى أرتفاع اسعار البنزين هو نتيجة مباشرة للإضرار البالغة التي سببها الأعصار. وأخيرا ليعيدوا الأمريكيين إلى وعيهم حول تغييرات الطقس.
ومؤخرا عرضت على تلاميذي خريطة تعكس أثار ارتفاع مستوي مياه البحر في الساحل الشرقي للولايات المتحدة ( خمنوا ما هي المدينة التي سوف تختفي أولا) ولابد أن أعترف أن هذا كان رد الفعل الأولي لي. وفي الأسبوع الماضي فقط كنت أعبر عن غضبي في عمود حول تلوث محيطات العالم. وبصعوبة شديدة أستطعت أن أستخلص من الفكرة التي تسلطت على أن كاترينا هي أنتقام آلهي.
والحقيقة أن الكوارث ليس لها دلالة أخلاقية أنها تقع وحسب. وليس في إمكاننا أن نتنبأ بالضبط متى واين تقع. وفي 2003 مجرد سنة واحدة هلك 40000 شخص في إيران عندما ضرب زلزال مدينة بام، ومات أكثر من 2000 في زلزال صغير وقع في الجزائر، ومات 1500 شخص فقط في الهند نتيجة موجة حارة.. بينما مات 100 أمريكي فقط في تلك السنة نتيجة للعواصف أو حرائق الغابات.
والكوارث الطبيعية.. من فضلكم لا تصفوها أنها من عمل الله أنها قتلت عددا من الناس أكبر من العدد الذين قتلوا بسبب الإرهاب الدولي في تلك السنة ( وطبقا لإحصاءات وزارة الخارجية وصلت الخسائر في الأرواح في 2003 بسبب الإرهاب إلى 4271 شخص. ولا واحد منهم في أمريكا الشمالية)
ومن جهة أخرى تقتل الكوارث عددا أقل من عدد الذين يموتون بسبب أمراض القلب (حوالي 7 مليون) ومن عدد الذين يقتلهم مرض الأيدز (حوالي 3 ملايين) ولا شك أنه لو وقعت كل الأزمات القلبية أو حوادث المرور في يوم واحد في مدينة واحدة لأثارت انتباهنا أكثر.
وكما قال فولتير أن الاعصارات مثل الزلازل يجب أن تذكرنا بضعفنا البشري في مواجهة الطبيعة التي لا ترحم.
وللأسف أننا مثل 1755 نفضل أن نفسرها على نحو زائف يفرقنا ولا يجمعنا.
فى معظم أفلام المخرج العالمى ستيفن سبيلبرج - اليهودى الديانة - صاحب أفلام الفك المفترس، حديقة الديناصورات، الاصطدام العميق، و غيرها نراه يركز على فكرة واحدة دائماً فى أفلامه:

لا أحد يستطيع الصمود أمام الطبيعة و الطبيعة متزنة لا تسبب كوارث حتى تمتد لها يد الانسان.


فمثلاً فى فيلم حديقة الديناصورات أرادت مجموعة من العلماء إعادة تخليق الديناصورات من الحمض النووى لديناصور محتجز فى بعوضة كانت قد قرصته و تحجرت بفعل سوائل تفرزها الأشجار فى شكل حجر كهرمان. و أنشأوا حديقة ضخمة يتم عرض الديناصورات فيها على الجمهور تحت رقابة محكمة و وسائل آمان لا حصر لها. و لكن .. تأتى الرياح بما لا تشته السفن، و ينقلب السحر على الساحر و تنطلق الديناصورات فى الحديقة تقتل الجميع. و ينتهى الفيلم على رحيل من بقى حياً من الجزيرة، و يتركونها للديناصورات لتحيا فيها حسب قوانين الطبيعة - لا حسب قوانين البشر.

دائماً ستلاحظون هذه الفلسفة فى أفلام هذا المخرج: ما دمت تعبث بالطبيعة فستجنى نتائج بشعة لأن الله هو الذى يدير الكون لا البشر، و لا يستطيع أحد أن يصمد أمام غضب الطبيعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010