قصة الميلاد الاول

المقدمة

يُخْبِرُنا الكِتَابُ المُقَدَّسُ كَيْفَ أَرْسَلَ اللهُ ابنَهُ يَسُوعَ لِيُطْلِعَنا عَلى أَسْرارِ اللهِ ، وَيَدُلَّنَا إلى سَبِيْلِ الانْضِمَامِ إلى مَلَكُوتِهِ .

وَإِلَيْكَ قِصّةَ مَوْلِدِ ابْنِ اللهِ .

يُمْكِنُكَ مُطالَعَةُ هذِهِ القِصَّةِ فِي كِتابِكَ المُقَدَّسِ ، فِي الفُصُوْلِ الأُوْلى مِنْ إِنْجِيْلَيْ مَتَّى وَلُوْقَا .

فِي قَدِيْمِ الزَّمَانِ ، قَبْلَ عِيْدِ المِيْلادِ الأَوَّلِ ، كانَتْ فَتَاةٌ جَمِيْلَةٌ تُدْعَى مَرْيَمَ .

وَكانَتْ تَعِيْشُ فِي قَرْيَةِ النَاصِرَةِ الصَغِيْرَةِ .

وَذَاتَ يَوْمٍ ، فِيْمَا كانَتْ تَعْمَلُ فِي مَنْزِلِها ، غَمَرَ غُرْفَتَها نُوْرٌ سَاطِعٌ .

وَفِي وَسَطِ النُوْرِ وَقَفَ مَلاكُ اللهِ ، فَخَافَتْ مَرْيَمُ خَوْفاً شَدِيْداً . وَقَالَ لَهَا المَلاَكُ : " لاَ تَخَافِيْ يَا مَرْيَمُ ، فَالبُشْرَى الَّتي أَنْقُلُها لَكِ هِيَ بُشْرَى فَرَحٍ . فَها أَنْتِ سَتُرْزَقِيْنَ بابنٍ عَمَّا قَرِيْبٍ " .

وَقَالَتْ مَرْيَمُ : " وَلكِنَّنيْ لَسْتُ مُتَزَوّجَةً " .

فَرَدَّ المَلاَكُ : " سَيَكُوْنُ المَوْلُوْدُ ابْنَ اللهِ نَفْسَهُ ، وَعَلَيْكِ أَنْ تُسَمِّيْهِ يَسُوعَ " .

فَقَالَتْ مَرْيَمُ : " لِتَكُنْ مَشِيْئَةُ اللهِ " .

فَانْصَرَفَ المَلاكُ .

وَكَانَ فِي النَاصِرَةِ شَابٌّ اسْمُهُ يُوْسُفُ ، يُحِبُّ مَرْيَمَ ، وَيَوَدُّ أَنْ يَتزَوَّجَها . فَزَارَهُ المَلاكُ فِي الحُلْمِ ، وَقَالَ لَهُ :

" لَقَدْ جِئْتُ لأُنْبِئَكَ بِأَنَّ مَرْيَمَ سَتَلِدُ ابْناً ، وَهُوَ ابْنُ اللهِ . وَيَجِبُ أَنْ يُسَمَّى الصَبِيُّ يَسُوْعَ ، فَهُوَ قَادِمٌ لِيُخَلِّصَ العَالَمَ " .

وَانْصَرَفَ المَلاكُ .

وَاسْتَعَدَّ يُوْسُفُ وَمَرْيَمُ لِلّزَوَاجِ ، إِذْ كَانَ يُحِبُّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ . وَكَثِيْراً ما كَانَا يَتَحدَّثانِ عَنْ رِسَالَةِ المَلاكِ ، وَعَنِ المَوْلُوْدِ الْعَجِيْبِ .

وَكَانَتْ مَرْيَمَ تَتَساءلُ : " هَلْ يُصَدِّقُ النَّاسُ أَنَّ يَسُوْعَ هُوَ ابْنُ اللهِ ؟ "

َيَرُدُّ يُوْسُفُ عَلَيْها قائلاً : " لاَ تَقْلَقِي ، سَيَفْهَمُ بَعْضُ النَّاسِ ذلِكَ ، لأَنَّ الرَبَّ قَدْ وَعَدَ بِإِرْسَالِ مُخَلِّصٍ لِلْعَالَمِ . وَمِنْ أَسْبَابِ سُرُوْرِنا أَنَّهُ قَدْ نَفَّذَ وَعْدَهُ " .

وَأَقَامَ يُوْسُفُ وَمَرْيَمُ عَلى انْتِظَارِ مَوْلِدِ يَسُوعَ . وَكانَ لا بُدَّ مِنْ إِعْدادِ أَشْيَاءَ كَثِيْرَةٍ لَهُ ، وَبَدا الانْتِظَارُ طَوِيْلاً .

وَذَاتَ يَوْمٍ ، سَمِعَا أَنَّ الامْبَراطُوْرَ الَّذِيْ كَانَ يَحْكُمُ الْبِلادَ قَدْ أَصْدَرَ قَانُوناً جَدِيْداً . وَأَخْبَرَ يُوْسُفُ مَرْيَمَ قَائِلاً :

" عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَعُوْدَ إِلى مَسْقِطِ رَأْسِهِ ، لِيُسَجِّلَ اسْمَهُ في الْسِّجِلِّ الرَّسْمِيِّ . وَعَلَيْنَا ، بِالتَّالي ، أَنْ نّذْهَبَ إِلى بَيْتَ لَحْمَ " .

وَفِي الطَّرِيْقِ ، قَالَتْ مَرْيَمُ الَّتي رَكِبَتْ حِمَاراً : " كَمْ كَانَ بِوِدِّيْ أَنْ أَبْقَى فِي مَنْزِلِي ، لأَسْتَقْبِلَ وَلِيْدِي . وَلكِنَّ الأَنْبِيَاءَ قَدْ أَعْلَنُوْا أَنَّ ابْنَ اللهِ يُوْلَدُ فِي بَيْتَ لَحْمَ " .

وَأَضَافَتْ : " كَمْ أَنا مُتْعَبَةٌ ! وَما أَطْوَلَ الطَّرِيْقَ ! "

وَلَمَّا وَصَلا إِلَى الْمَدِيْنَةِ ، وَجَدَاهَا مُزْدَحِمَةً ، إِذْ إِنَّ خَلْقاً غَفِيْراً كَانَ قَدْ قَدِمَ لِيَتَسَجَّلَ فِي بَيْتَ لَحْمَ، بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ فِي الْفُنْدُقِ أيُّ مَكَانٍ .

وَلكِنَّ صَاحِبَ الْفُنْدُقِ نَصَحَهُما أَنْ يُقِيْما في الإِسْطَبْلِ ، حَيْثُ كانَ يَزْرُبُ دَوابَّهُ .

وَسَاعَدَ يُوْسُفُ مَرْيَمَ عَلى النُّزُوْلِ عَنِ الْحِمَارِ ، وَقَادَهَا إِلى الإِسْطَبْلِ . وَاتَّخََذَتْ مَرْيَمُ مِنْ مِعْطَفِها الدَّافِئِ ، الّذِي بَسَطَتْهُ فَوْقَ الْقَشِّ فِرَاشاً، إِذْ كانَتْ تشْعُرُ بِقُرْبِ مَوْلِدِ طِفْلِها .

وَلَمَّا وُلِدَ الَطِّفْلُ ، لَفَّاهُ بِأَقْمِطَةٍ دَافِئَةٍ ، وَأَرْقَداهُ فِي الْمِذْوَدِ ، حَيْثُ يُحْفَظُ عَلَفُ الْبَهائِمِ .

وَقَالا : " إِنَّ اسْمَهُ يَسُوْعُ ، وَهُوَ ابْنُ اللهِ الخَاصُّ " .

وَكَانَتِ الْبَهائِمُ واقِفَةً تُرَاقِبُهُما ، وَأَنْفَاسُهَا الْحَارَّةُ تَمْلأُ الإِسْطَبْلَ الْضَيِّقَ .

وَلَمْ يَدُمِ الْسُّكُوْنُ طَوِيْلاً ، إذْ قَدْ سُمِعَ صَرِيْرُ الْبَابِ وَهُوَ يُفْتَحُ ، وَدَخَلَ رُعَاةٌ ، وَسَأَلُوْا يُوْسُفَ بِأَدَبٍ :

" أَيْنَ الصَّبِيُّ ؟ هَلْ نَسْتَطِيْعُ أَنْ نَراهُ ؟ "

وَأَجَابَ يُوْسُفُ : " بِالتَأْكِيْدِ . وَلكِنْ كَيْفَ عَرَفْتُمْ أَنَّ صَبيّاً قَدْ وُلِدَ ؟ "

فَقَالَ الرُّعَاةُ : " كُنَّا عَلى التِّلالِ نَسُوْقُ قِطْعَانَنَا ، عِنْدَما أَشْرَقَ فَجْأَةً نُوْرٌ سَاطِعٌ ، وَظَهَرَ لَنَا مَلائِكَةُ الرَّبِّ ، وَبَشَّرُوْنا بِأَنَّ هُنَا صَبِيّاً سَيُخَلِّصُنَا جَمِيْعاً عِنْدَما يَصِيْرُ كَبِيْراً ، فَأَتَيْنَا فِي الحَالِ لِنَراهُ " .

ثُمَّ عَادَ الرُّعَاةُ إِلَى قِطْعَانِهِمْ ، وَأَخْبَرُوْا كُلَّ مَنْ صَادَفُوْهُ بِمَا حَدَثَ .

وَمَكَثَ يُوْسُفُ وَمَرْيَمُ فِي بَيْتَ لَحْمَ فَتْرَةً مِنَ الزَّمَنِ .

وفِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ ،قَرَعَ بابَهُما زَائِرُوْنَ نُبَلاءُ ، حُكَماءُ ، وَقَالُوْا : " لَقَدِ اجْتَزْنَا مَسافَةً طَوِيْلَةً لِنَرَى الطِفْلَ الْمَلِكَ . فَهَلْ هُوَ هُنَا حَقّاً ؟ "

وَأَجَابَ يُوْسُفُ : " أَجَلْ . وَلكِنْ كَيْفَ عَلِمْتُمْ بِمَوْلِدِ الطِّفْلِ ؟ "

فَقَالُوْا : " لَقَدْ رَأَيْنَا نَجْماً سَاطِعاً في السَّمَاءِ ، وَقَدْ كَشَفَتْ لَنَا كُتُبُنا أَنَّ ذلِكَ النَّجْمَ يَقُوْدُنا إِلى الطِّفْلِ الَّذِي وُلِدَ لِيَكُوْنَ مَلِكاً عَلى شَعْبِ إِسْرائِيْلَ ، فَتَبِعْنَاهُ " .

وَرَكَعَ الزَّائِرُوْنَ أَمَامَ الطِّفْلِ ، وَقَدَّمُوْا لَهُ هَدَايا مِنْ ذَهَبٍ وَبَخُوْرٍ وَمُرٍّ .

وَلَمَّا ذَهَبُوْا ، أَخَذَ يُوْسُفُ وَمَرْيَمُ يَتَأَمَّلانِ في الطِفْلِ ، وَيُفَكِّرانِ بِشَأْنِهِ أَفْكَاراً كَثِيْرَةً .

وَذَكَرَا الْمَلائِكَةَ الَّذِيْنَ ظَهَرُوْا لِلرُّعَاةِ ، وَالْنَجْمَ السَّاطِعَ الَّذِي قَادَ الرِّجَالَ الْحُكَمَاءَ ، وَتَأَمَّلا ، مِنْ جَدِيْدٍ ، الْهَدَايا الرَّائِعَةَ . ثُمَّ قَالَ يُوْسُفُ :

" ها إِنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَ ، أَخِيْراً ، ابْنَهُ لِخَلاصِ إِسْرائِيْلَ " .

فَأَجَابَتْ مَرْيَمُ : " بَلْ لِخَلاصِ إِسْرائِيْلَ وَالْعَالَمِ كُلِّهِ .

فهؤُلاءِ الْحُكَمَاءُ قَدْ جَاءُوْا مِنْ بِلادٍ بَعِيْدَةٍ . وَرُبَّما هُمْ ، أَيْضاً ، فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ " .

وَشَكَرَ يُوْسُفُ وَمَرْيَمُ لِلرَّبِّ إِرْسَالَهُ الطِّفْلَ يَسُوْعَ .

وَتَأَكَّدَا أَنَّ الرَّبَّ قَدْ نَفَّذَ وَعْدَهُ بِإِرْسَالِ ابْنِهِ لِخَلاصِ الْعَالَمِ بِأَسْرِهِ .

وَلَمْ يَكُوْنَا يُدْرِكَانِ ، بَعْدُ ، أَيَّةَ مُهِمَّةٍ قَدْ أَوْكَلَها الرَّبُّ لِيَسُوْعَ . وَلكِنَّهُما كَانَا يَعْلَمانِ أَنَّهُ سَوْفَ يُطْلِعُ الْعَالَمَ عَلَى أَسْرارِ اللهِ .



خاتمة

" من الكتاب المقدّس " سلسلةٌ قصصيّةٌ من 52 قصةً للأطفال . كلّ قصّة قائمة بذاتها ويؤلّف مجموعها الكتاب المقدّس ، أي قصّة حبّ الله للبشر ، في كلّ زمان ومكان .

الأعداد ( من 31 إلى 52 ) مقتبسة من العهد الجديد وتحدّثنا عن حياة يسوع ابن الله وأعماله وتعليمه ، وعن الشعب الذي لاقاه . كلّ ما نعرفه عن حياة يسوع مدوَّن في الأناجيل الأربعة التي كتبها كلٌّ من متى ومرقس ولوقا ويوحنّا . وكلمة " الإنجيل " تعني البُشرى السعيدة .

وختامُ السلسلةِ أربعُ قصصٍ تحدّثنا عن المسيحيّينَ الأوّلينَ الذينَ نشروا بُشرى السعادة هذه بينَ الناسِ ، كما أمرهُم يسوعُ . وما زالَ أحفادُهم يلهجونَ بها حتى أيّامنا الحاضرة .

وختامُ السلسلةِ أربعُ قصصٍ تحدّثنا عن المسيحييّن الأوّلينَ الذينَ نشروا بشرى السعادة هذه بينَ الناس، كما أمرهم يسوع. وما زالَ أحفادهُم يلهجونَ بها حتى أيّامنا الحاضرة.

قصّة " الميلاد الأول " مستقاةٌ من العهد الجديد ، الفصلِ الأولِ من إنجيل متّى ، والفصلينِ الأوّلِ والثاني من إنجيل لوقا .

طالما تطلّعَ الناطقونَ باسم الله ، أنبياءُ العهدِ القديم ، إلى مجيء مسيح الله ، ملكِ السلام ، ليخلّصَ شعبَه . فتعلّقَ شعبُ اللهِ بذلكَ الوعدِ أجيالاً طويلة .

وفي الآخر وفى اللهُ بوعده ، ووُلد ابنُ الله من غير أبّهةٍ ولا ضجيج ، في إسطبلٍ في بيت لحم.

القصّةُ التاليةُ (33) ، في هذه السلسلةِ عينِها ، عنونُها " يسوع في حداثته " ، وتَروي لنا حداثةَ يسوع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010