الرجل الذي أطعمته الغربان

الرجل الذي أطعمته الغربان
القمص تادرس يعقوب ملطي
زواج مختلط
قبل مجيء السيد المسيح بحوالي 875 عامًا مات عمري ملك إسرائيل، وكان رجلاً شريرًا، وجاء من بعده ابنه أخآب، وكان أشر منه.
أحب أخآب إيزابل ابنة أثبعل ملك صيدون، الذي كان هو وابنته كاهنين للبعل، صنم يحسبونه إله العواصف والأمطار. وكان أهل صيدون (الفينيقيون) رجال بحر ماهرين يجولون العالم كله كتجار ناجحين، كما كانوا ماهرين في البناء وفي كثير من الصناعات. كانوا يظنون أن الإله "البعل" هو الذي يحميهم من العواصف أثناء إبحارهم، وهو الذي يهبهم الأمطار للزراعة والشرب. لذلك كانوا يختارون الأماكن المرتفعة ذات المناظر الجميلة فيبنون عليها معابد فاخرة مزخرفة لهذا الإله.
وكانت النساء يلقين أطفالهن في نيران المذابح كذبيحة له! إنهم أشرار!
أُعجب أخآب بإيزابل لجمالها الفائق فتزوجها، وصارت ملكة على إسرائيل.
قالت الملكة إيزابل:
"عزيزي أخآب، لقد أحضرت معي عددًا قليلاً من الكهنة من صيدا ليعبدوا معي الإله بعل. وسنبني له هيكلاً صغيرًا وجميلاً هنا بجوار القصر على قمة التل، فما رأيك؟!"
أجاب أخآب وقد سحره جمالها وأناقتها بملابسها الجميلة وجواهرها الثمينة: "حتمًا، كل ما تقولينه هو عين الصواب!" لقد عرف أخآب شريعة الله التي تمنع العبادة لغير الله، لكنه لأجل جمال زوجته عصى الوصية.
قالت إيزابل لكهنتها:
"عملنا الأول والأخير هو أن نحطم عبادة إلههم تمامًا.
لنبذل كل الجهد في بناء الهيكل بأقصى سرعة، وفي أجمل صورة.
وإذ يتعبد الملك أخآب معنا للبعل فسيشترك الكثير من الشعب في عبادة البعل جنبًا إلى جنب مع العبادة لإلههم.
أما القلة التي ترفض ذلك فسنقتلها ونستريح منها!".
حققت إيزابل خطتها بكل مهارة، وقتلت كثيرين، حتى بدت مملكة إسرائيل مملكة وثنية تتعبد للبعل...
إرسالية جريئة
"يهوه هو إلهي" هكذا فكر إيليا النبي، قائلاً في نفسه: "هذا ما يعنيه اسمي. لهذا فإن دوري هو الدفاع عن الإيمان بالله الحقيقي ضد عبدة البعل مهما كلفني الثمن!"
عاش إيليا النبي على مرتفعات جلعاد، شرق نهر الأردن. كان يعيش في عزلة، يتعبد لله ويفكر فيه. كانت ثيابه بسيطة، عبارة عن ثوب خشن من وبر الغنم، وقد شده بحزام من الجلد.
لقد أرسل الله إيليا النبي إلى السامرة ليوبخ الملك أخآب على شره، ويطلب منه أن يكف عن عبادة البعل، ويرجع إلى الله بالتوبة.
تطلع إيليا من بعيد إلى بوابة القصر الضخمة القائمة على قمة تل عظيم، وقد أحاط بها جند مسلحون. فجأة سمع أصوات الأبواق الفضية تضرب، وخرج من "البوابة" موكب ضخم من رجال ونساء يرتدون ملابس ناصعة. إنه موكب كهنة وكاهنات البعل، تحت قيادة إيزابل الملكة. فقد خرجت تتقدمهم بثوبها الأرجواني والقرمزي الجميل، وقد وضعت طوقًا ذهبيًا على صدرها يحمل صورة إنسان يجلس على ثور، وقد حمل حزمة من الصواعق على رأسه.
كان الموكب يتحرك نحو هيكل البعل القريب من القصر وقد أحاطت به غابة من الأشجار.
أُصيب إيليا النبي باشمئزاز ونوع من الغثيان. لقد توقف يفكر، كيف يقدر أن يدخل القصر القائم على قمة التل لكي يوبخ الملك على تركه عبادة الله الحي. وكان إيليا مطمئنًا أن الله الذي أرسله يقدر أن يحقق به رسالته.
إذ عبر الموكب، صعد إيليا إلى قمة دون أن يلاحظه دون أن يلاحظ الجند، إذ كانت كل أنظارهم متجهة نحو الملكة ومن حولها. تسلل إيليا إلى الصالة المفتوحة وأسرع تجاه حجرة العرش. كان إيليا حافي القدمين، سريع الحركة، بلغ الحجرة قبل أن يراه الملك.
تطلع إيليا إلى الملك، وصار صوته يدوي في كل أركان القصر المصنوع من الرخام والمزين بالعاج والحجارة الكريمة: "حيّ هو الرب الذي أنا واقف أمامه، أنه بسبب شرك أيها الملك أخآب إنه لا يكون طلٌّ ولا مطرُ هذه السنوات إلا عند قولي".
أعطى إيليا ظهره للملك وأسرع إلى خارج القصر، بينما كان الملك في حالة ذهول. فقد إحمر وجهه وثار، ثم قام من العرش، وصار يصرخ: "أيها الحراس، أيها الحراس، امسكوه!".
الرجل الذي أطعمته الغربان
عادت إيزابل من هيكل البعل إلى القصر، فوجدت رجلها في حيرة وارتباك. سألته عن السبب، فروى لها ما حدث مع إيليا. ارتجفت إيزابل وهي تقول: "إنه كالذئب يعيش وسط التلال، لكنه لن يفلت من يدي. إني سأقتله. لا تخف يا أخآب، أنا أعلم أنه مختفي وسط الصحراء بين الجبال والتلال، لكنني لن أهدأ حتى آتي إليك برأسه... أين يهرب مني؟ إني ملكة قوية!".
إذ عبر إيليا نهر الأردن إلى جلعاد لم يكن ممكنًا له أن يستقر في أية قرية، حتى لا يكتشف الجند مكانه.
قبيل الشروق بلغ إيليا إلى مجرى نهر صغير يُدعى كريث، وكان جائعًا ومرهقًا جدًا. إنه لا يخشى العزلة ولا حياة الصحراء أو الجبال فقد اعتاد عليها، لكنه من أين يأتي بطعام يقتات به والموضع معزول؟!
رفع إيليا النبي عينيه نحو السماء وصلى، قائلاً:
"أشكرك يا رب لأنك حفظتني حتى هذه اللحظة.
أنا واثق أنك تعتني بي.
سامحني لأنني أشعر بخوف لئلا لا أجد طعامًا.
ثَّبت إيماني فيك!"
شرب إيليا من مياه المجرى... وسرعان ما وجد الغربان تحوم حوله، وكأنها جاءت تحييه على أمانته في خدمة الله خالق الكل.
اقتربت بعض الغربان إليه جدًا. وقد أمسك أحدها بخبزة وآخر بقطعة لحم مطهية... فبسط إيليا يده وتقبل الطعام من الغربان بابتسامة لطيفة.
قضى إيليا النبي أيامًا سعيدة يشعر فيها أن الله قد أرسل له الغربان كأصدقاء له، تنزع عنه الشعور بالعزلة، وتقدم له طعامًا كل يوم.
استيقظ إيليا على صوت رعد شديد جدًا، فخرج من مغارته ليراقب بروق كثيرة، لكن سرعان ما حدثت عاصفة رملية... لم يسقط مطر.
كان الفلاحون في حزن شديد فقد حُرموا من الزراعة بسبب ما حلّ بالبلاد من جفاف، حتى الأشجار الخضراء بدأت تجف، وتساقطت أوراقها... والحيوانات ضعفت للغاية... الكل يحتاج إلى ماء، ولكن بلا جدوى، إذ توقفت الأمطار تمامًا.
صار إيليا يراقب مجرى النهر "كريث"، فقد كانت مياهه تتبخر كل يوم بسبب شدة حرارة الشمس، وكان المجرى يجف... حتى حيوانات البرية بالكاد تجد ماءً لترتوي.
جف النهر تمامًا، فصرخ إيليا إلى الله يسأله:
"ماذا أفعل يارب؟"
طلب الله من إيليا أن يترك الموضع ويرحل نحو الشمال ليجد أرملة فقيرة عند قرية صرفة التي لصيدون تعوله.
لم يسأل إيليا النبي كيف يمكن لأرملة فقيرة وسط هذا الجفاف أن تعوله، لكنه بإيمان اتجه نحو الشمال، إلى قرية صرفة.
مخبأ في صرفة
كانت صرفة تبعد حوالي 100 ميلاً. سار إيليا النبي حتى وصل إلى باب المدينة، وقد شعر بالتعب والجوع والعطش.
رأى إيليا الأرملة الفقيرة التي كان يبحث عنها، وكانت تقش عيدانًا لتشعل به نارًا تطبخ عليها. سألها النبي: "أرجوكِ، أتسطيعين أن تعطيني قليل ماءٍ لأشرب". تطلعت إليه الأرملة، وقد لاحظ النبي على وجهها أنها جائعة.
إذ تحركت الأرملة نحو الباب قال لها إيليا: "أرجوكِ، عندما تحضرين ماء، أتستطيعين أن تقدمي لي كسرة خبز؟!"
صمتت المرأة إلى لحظات طويلة، ثم قالت له:
"إنني أعرف أنك خادم الله الحقيقي، وأنا أود أن أساعدك. 
حيّ هو الرب، إنه ليس عندي خبز،
لكن ما عندي هو ملء كفّ من الدقيق في الكوار وقليل من الزيت في الكوز،
وهأنذا أقش عودين لآتي وأعمل كعكة لي ولابني، لنأكلها ثم نموت".
فقال لها إيليا: "لا تخافي، اعملي لي منها كعكة صغيرة أولاً، واخرجي بها إليّ، ثم اعملي لكِ ولابنك. لأنه هكذا يقول الله: إن كوار الدقيق لا يفرغ، وكوز الزيت لا ينقص إلى اليوم الذي فيه يُعطي الرب مطرًا على الأرض".
اتجهت الأرملة نحو باب المدينة دون أن تنطق بكلمة. تبعها إيليا النبي وسار معها في حواري المدينة حتى بلغ منزلها الصغير الضيق. دخل إيليا من باب المنزل الخشبي حيث وجد أمامه درجات سلم صعد عليها حيث دخل الحجرة التي في أعلى المنزل. أما الأرملة فذهبت إلى فناء خلف المنزل، وأوقدت نارًا بالقش الذي جمعته، ووضعت إناءً خزفيًا على النار. دخلت المنزل لتصنع جزءً من الدقيق في إناء وتسكب بعضًا من الزيت لتعجن الكعكة، ثم قامت بطهيها. وفي صمت قدمت الكعكة مع كوب ماء إلى إيليا.
أحني النبي رأسه وشكر الأرملة الغريبة الجنس، ثم تطلع إليها فوجدها قد وقفت في مكانها كأنها تنتظر أن يفعل النبي شيئًا.
سألها إيليا النبي: "لماذا لم تصنعي كعكة لكِ ولابنك؟!" وكانت إجابتها عملية، إذ انطلقت إلى كوار الدقيق وكوز الزيت لتأخذ كل ما بهما وتصنع كعكة... فأخذت ما يكفي الكعكة وبقى في الكوار دقيقًا وفي الكوز زيتًا.
إذ طهت الكعكة عادت إلى النبي تقول له:
"إنك رجل الله،
وأنا أؤمن بإلهك مع إنني غريبة الجنس.
فإنه قد بارك في الدقيق والزيت..."
أجابها إيليا النبي:
"حيّ هو الرب،
إن كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص إلى اليوم الذي فيه يُعطي الرب مطرًا على وجه الأرض".
  

أنا يوسف

أنا يوسف
القمص تادرس يعقوب ملطي

الابن المبارك
في هذا الكتاب يروي لك يوسف الِصدِّيق قِصَتَه منذ طفولته حتى صار بطل مصر، أنقذ مصر والبلاد المجاورة من هلاكٍ محقق.
اسمي يوسف
اسمي يوسف، والدي شيخ وقور يُدعى يعقوب، ووالدتي تُدعى راحيل.
لي أحد عشر أخًا، كلهم يَكْبرونني سنَّا ماعدا أخي الصغير بنيامين، وهو الوحيد من أمي راحيل، التي كانت عاقرًا إلى زمن طويل.
كنا رُعاة غنم، وكان عندنا بقر كثير. أحَببت رعاية الغنم منذ صباي، إذ كنت أحب الحيوانات والطيور كما أعشق الطبيعة.
القميص الملون
رأيت والدي الشيخ جالسًا يستظل تحت شجرة، ويكاد أن يكون كفيف البصر. أسرعت إليه وتحدثت معه، إذ كنت أشعر بعذوبة صوته المتهدِّج، وأشتاق أن أنصت إلى نصائحه لكي أتعلم الحكمة. 
قال لي: "هل أنت يوسف ؟"
أجبته: "نعم يا أبي".
ابتسم أبي ومال نحوي، وضَمَّني إلى صدره، وهو يقول: "ماذا أفعل لك يا ابني يوسف؟ إنني سأقدم لك مفاجأة اللَّيلة، ثم قبَّلني.
بالليل إذ كنا نحن الاثنا عشر أخًا جالسين في الخيمة، قدَّم لي أبي يعقوب هدية، وقال لي:
"إنك ابن مُطيع. هذه هدية رمزية لك!"
في استياء شديد تطلَّع إخوتي الكبار نحوي ونحو الهدية.
همس أحدهم : "هدية! لم يقدم لنا أبونا هدية قط!"
همس آخر: "إنه يدلل يوسف ويُفسده".
وقال ثالث: "هل هذا عدل؟ لماذا المحاباة؟!"
صارت نظراتهم إليّ تعني الرغبة في الانتقام، وأنا لم أكن في ذلك الحين أفهم ما يجري حولي.
في خجل شكرت والدي يعقوب، ولم أفتح الهدية... لكن والدي أصرّ على فتحها. وكانت المفاجأة: إنها قميص ملون! إنه لباس الشخص المسئول أو السيد صاحب السلطان!
قال أحدهم: "نحن نتعب طول النهار في رعاية الغنم نرتدى ثيابًا خشنة وجلودًا، ويوسف الصغير يرتدي قميصًا ملونًا... ما هذا الظلم؟
حُلْمان
إذ كنا نجلس سويًا، أعطانى إخوتى ظهورهم، ولم يطيقوا رؤية وجهي.
أما أنا فكنت أحبهم وأشتاق أن أتطلَّع إليهم.
قلت لهم: "بالأمس رأيت حُلمًا، وكان الحُلم واضحًا جدًا. كان وقت حصاد. وكنَّا جميعًا في الحقل. انحنت جميع حزمكم أمام الحزمة التي جمعتها أنا".
لم أكن أدرك أن إخوتي قد تضايقوا جدًا، إذ عرفوا أنهم سيخضعون وينحنون أمامي كسيد لهم.
في ليلة أخرى قلت لهم : "لقد رأيت حُلمًا".
قال أحدهم : "لا نريد أن نسمع شيئًا عن أحلامك!"
قال أبي يعقوب : "اروِ لنا الحلم".
قلت: "رأيت الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا يسجدون أمامي!"
ثار جميع إخوتي، وقالوا: "ماذا تعني؟ أنسجد لك؟!"
تضايق أيضًا والدي قائلاً: "هل تعني إنني أنا ووالدتك (أو من يقوم مقامها- ليئة) وإخواتك نسجد لك؟!"
قلت : "لا أقصد هذا يا أبي، إنما أنا أروي لك ما رأيته في الحلم كما هو".
رحيلي
في أحد الأيام ذهب إخوتي بالغنم إلى مناطق بعيدة. طلب مني والدي يعقوب أن أسأل عن سلامتهم، فذهبت أجول فى المناطق أسأل عنهم. ولما عرفت موضعهم أسرعت إليهم فرحًا.
سمعت أحدهم يقول في سُخرية: "هوذا صاحب الأحلام قادم!"
تطلَّع كل واحد إلى الآخر. وقال أحدهم: "هذه فرصة لاتعوض! ماذا تنتظرون؟ هلم نتخلص منه. لنلقي بجثته في البئر، ونقول لأبينا يعقوب إن وحشًا افترسه. ليبحث عنه ويجده إن استطاع!!"
قال رأوبين: "لا... لن نقتله. لنلقيه في البئر إلى حين، فيتعلم درسًا لن ينساه!"
هجموا عليّ، وخلعوا عنِّي القميص الملون، وألقوني في البئر، وجلسوا يأكلون مما أحضرته لهم.
صرتُ أتوسل إليهم أن يعفوا عني فلم يستجيبوا لصراخي المرّ ودموعي. أخيرًا أنزلوا لي حبلاً، فأمسكت به، ورفعوني، ثم غسلوني من الوحل. ظننت أنهم ندموا على ما فعلوه. لكنني وجدت نفسي بين قافلة معها جمال، وقدمني إخوتي لهم، وقالوا لهم: "هذا هو الصبي؛ إنه جميل وبصحة جيدة، يكون لكم عبدًا يخدمكم، وقدّمَتْ القافلة عشرين من الفضة ثمنًا لي، وكانت دموعي تجري بغزارة من عينيْ.
عاد إخوتي إلى والدي يعقوب، وقدموا له القميص الملون بعد أن لطَّخوه بالدم، وقالوا له وهم يبكون: "انظر! هل هذا هو قميص أخينا؟"
أجاب: "هو بعينه... أين يوسف ابني؟" 
قالوا: "أكله وحش ردئ!" 
مزق والدي يعقوب ثيابه وكان يصرخ: "ابنى يوسف ليس موجودًا".
إلى السجن
جاءت القافلة بي إلى مصر؛ هناك باعوني إلى فوطيفار رئيس شرطة مصر. تعلمت اللغة المصرية القديمة "الديموطيقية"، كما تعلمت عادات المصريين.
صرت أعمل في بيت فوطيفار بأمانة. أعطاني الرب نعمة في عينيه فأحبني جدًا وسلمني كل شئون بيته.
سألني فوطيفار: "لماذا كل ما تعمله تنجح فيه؟"
أجبته: "إنها عطيَّة الله، فهو يهبنا البركة والنجاح!"
فوجئت يومًا بسيدتي امرأة فوطيفار تمسك بي وكنت أنا وحدي معها في البيت. طلبت مني أن أصنع خطأ، فجريت وهربت من المنزل.
غضبت امرأة فوطيفار عليَّ، واتهمتنى كذبًا لدى رجُلها، فصدَّقها، وألقاني في السجن.
حُلمان آخران
دخلت السجن ظلمًا ولم يوجد من يدافع عني لأني عبد غريب، لكن إلهي كان معي يعطيني سلامًا وفرحًا.
أعطانى الرب نعمة فى عينىْ رئيس بيت السجن، فسلَّمنى كل إدارة السجن.
غضب فرعون على رئيس خبَّازيه ورئيس السقاة، فألقاهما في السجن.
حلم رئيس الخبازين أنه يحمل على رأسه ثلاثة سلال، وكانت الطيور تأكل من خبز فرعون الذي في السلة العليا.
فسَّرت له الحلم بأنه بعد ثلاثة أيام يرفع فرعون رأسه عنه ويعلقه على خشبة، وتأكل الطيور لحمه.
أما رئيس السقاة فرأى كرمة ذات ثلاثة قُضبان، أفرخت وأزْهرت ونضج عناقيدها، وكان كاس فرعون فى يده. أكدَّت له أنه سيعود إلى عمله بعد ثلاثة أيام، وقد تحقق الأمر.
حُلمان لفرعون
بعد سنتين من الزمان، رأى فرعون ملك مصر حُلمين.
الأول سبع بَقَرات قبيحة المنظر رقيقة اللحم أكلت سبع بَقَرات حسنة المنظر وسمينة.
والحُلْم الثاني سبع سنابل رقيقة وملفوحة بالريح ابتلعت سبع سنابل سمينة وحسنة.
انزعج فرعون، واستدعى كل سحرة مصر وحكمائها وروى لهم الحُلمين، فلم يوجد من يفسرهما له.
تذكرني رئيس السقاة وتحدث مع فرعون عني، الذي استدعاني من السجن. حلقت شعرى وأبدلت ثيابي ودخلت على فرعون. أخبرته أن سبع سنوات قادمة مملوءة شبعًا عظيمًا في كل أرض مصر، يتلوها سبع سنوات قحط شديد... وأن تكرار الأمر مرتين هو تأكيد أن الله هو مقرر الأمر وأن الله مُسرع ليصنعه.
قال لي فرعون:
"أنت رجل حكيم، 
ضع خطة لإنقاذ البلد فى سنوات الجوع.
أقم في القصر معي،
واستخدم مركبة ملوكية.
إنك تصير مثلي، ليس من يتعداك... أنت الرجل الذي بعدي مباشرة.
إني متأكد أنك تدرك خطة الله... اعمل ما يحسُن في عينيك".
إخوتي الجياع
مرت السبع سنوات الأولى، وبدأت السنوات العجاف. وكنت قد بنيت مخازن ضخمة جدًا لمواجهة الجفاف...
كنت أتوقع مجيء إخوتي ليشتروا حنطة من مصر. وبالفعل جاء جميعهم فيما عدا أخي بنيامين. سجدوا أمامي دون أن يعرفونني، أما أنا فعرفتهم، وقلت لهم: "إنكم جواسيس"، ووضعتهم في السجن لمدة ثلاثة أيام، ثم أصدرت أمرًا:
"إن كنتم لستم جواسيس اذهبوا إلى بلدكم واحضروا أخاكم بنيامين إلىّ، وأنا أحتفظ بأحدكم في السجن".
وُضعت الحنطة فى عدال (أكياس) تسعة منهم، ودفعوا الثمن. لكنني أمرت برد فضتهم في عدالهم.
في الطريق اكتشف أحدهم أن الفضة فى عداله؛ ولما فتح الثمانية الآخرين عدالهم وجدوا فضتهم فيها. خافوا جدًا لئلا يظن فرعون أنهم لصوص، لكنهم لم يعرفوا ماذا يفعلون، غير أنهم ذهبوا إلى أبيهم ومعهم الحنطة والفضة.
فرغت الحنطة فقال لهم أبى يعقوب أن يرجعوا إلى مصر، ووافق بالكاد أن يرافقهم بنيامين بعد أن تقدم يهوذا أخي إليه ليضمن عودة بنيامين.
جاء إخوتي التسعة الكبار وبنيامين الصغير ومعهم الفضة المردودة وفضة أخرى وهدية... 
وقفوا أمامي، فطلبت أن يأتوا إلى بيتي.
هيأوا الهدية، ولما دخلت البيت سجدوا أمامي إلى الأرض. فسألتهم عن سلامتهم وسلامة أبينا، وأطمأنيت أنه حيّ.
تطلعت إلى أخي بنيامين ابن أمي، فحنت أحشائى إليه، ودخلت المخدع وبكيت. غسلت وجهي وخرجت إليهم.
قدموا لهم الطعام، وكانت حصة بنيامين خمسة أضعاف... فى الصباح انصرف إخوتي وحميرهم. وإذ خرجوا من المدينة طلبت من الموكل على بيتي أن يسعى وراءهم يبحث عن كأسي الذي أشرب فيه...
فتش الرجل فى عدالهم فوجدوه فى عدال بنيامين. مزق إخوتى ثيابهم، ورجعوا إلىّ، ووقفوا أمامي على الأرض. طلبت منهم أن يبقى بنيامين لي عبدًا ويرجع الباقون إلى أبيهم يعقوب بسلام.
تحدث معي يهوذا أخي، وقال إنه لايمكن أن يبقى الغلام وإلا مات أبوه يعقوب، فإنه يحبه جدًا، وطلب أن يبقى هوعبدًا لي. قال الكل إنه لن يمكنهم العودة إلى أبيهم بدون بنيامين. 
لم أستطع أن أضبط نفسى لدى جميع الواقفين عندي، فصرخت: "اخرِجوا كل إنسان عني". ثم أطلقت صوتي بالبكاء، وقلت لهم: "أنا يوسف أخوكم! أحيّ أبي بعد؟!"
ارتعبوا ولم ينطقوا بكلمة.
قلت لهم: "أنا يوسف أخوكم الذى بعتموه إلى مصر.
إنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم.
ليس أنتم أرسلتموني إلى هنا بل الله..."
وقعت على عنق أخي بنيامين وبكيت، وبكى بنيامين على عنقي. قبّلت جميع إخوتي وبكيت.
أعطيتهم عجلات كأمر فرعون، وقدمت لهم زادًا وحللاً وصرفتهم... وقلت لهم: "لاتتغاضبوا فى الطريق".
لا أعرف كيف أصوِّر لقائي بأبي يعقوب، فقد صعدتُ بمركبتي لاستقباله... وقعت على عنقه، وبكيت على عنقه زمانًا.
لن أنسى كلماته لي: "الآن أموت بعدما رأيت وجهك أنك حيّ بعد".
بعد موت أبي خاف إخوتي لئلا أنتقم منهم، لكنني بكل محبة قلت لهم:
"لا تخافوا.
لأنه هل أنا مكان الله؟
أنتم قصدتم لى شرًا. 
أما الله فقصد به خيرًا...
لاتخافوا.
أنا أعولكم وأولادكم".
عزّيتهم وطيّبت قلوبهم.


أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010