تفسير مزمور الى متى يارب تنسانى لابونا تادرس يعقوب


إلى متى يارب....؟


 
يبدو أن داود قد واجه تجارب لا تنتهي في فترةٍ ما من حياته. وقد جاء هذا المزمور بمثابة تضرع يسكبه أمام الله حتى يعينه ضد أعدائه.
يرى بعض الدارسين أن هذا المزمور لم يُكتب أثناء متاعب داود مع شاول، لأنه هذه المتاعب كانت قبل سقوطه في خطيته الشنعاء. ففي رأيهم أنه وضع هذا المزمور أثناء تمرد أبشالوم، عندما أسرع هاربًا من وجه ابنه. غير أن سحابة الحزن الخارجي لم تكن إلا رمزًا باهتًا لما قد ثقل على نفسه داخليًا بسبب الخطية، الأمر الذي كان أكثر سوادًا من ظلمة منتصف الليل[281].
يعبر هذا المزمور الصغير عن آلام داود الشحصية، سجلها كصرخة قوية وصريحة تخرج من أعماق نفسه المتألمة ليرتمي في أحضان مخلصه الذي يخرج به من المرارة إلى حياة الفرح والتهليل. وقد جاء هذا المزمور صلاة تضم كل عناصر المرثاة: شكوى، توسل، ثقة، شكر؛ التي تناسب كل إنسان بار يعاني من متاعب داخلية وخارجية.
يقول وليم بلامر: [يأتي تسلسل هذا المزمور طبيعيًا وبطريقة رائعة. ففي الآيتين 1، 2 يصرخ داود: "إلى متى؟"، مرددًا إياها أربع مرات؛ وفي الآية 3 يبدأ في جدية يصرخ طالبًا العون. وفي الآية 4 يستخدم أسلوب المحاججة الذي غالبًا ما يستخدمه مع الله... وإذ يتوسل يزداد إيمانًا؛ وإذ يؤمن يفرح في الرب، وإذ يفرح ينطلق طافرًا بتسابيح الحمد[282]].
St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الإطار العام:

1. إلى متى يارب؟          [1-2].
2. توسل                    [3-4].
3. أغنية النصرة            [5].
St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. إلى متى يارب؟

بدأ داود النبي بسؤال، إذ رأى خارجه أن الأعداء قد ارتفعوا، ونفسه في داخله
حزينة، والله من فوق صامت.
يكرر داود في الآيتين 1، 2 "إلى متى...؟" أربع مرات، معبرًا عن إحباطه وفزعه، ويرى البعض أن التكرار هنا أربع مرات يُظهر أن المرتل يصرخ لا باسمه الشخصي وإنما باسم الشعب كله الذي سقط في الأسر أربع مرات: الأسر البابلي، والفارسي (المدياني)، والإغريقي، والروماني. وهكذا يُحسب هذا المزمور مرثاة جماعية ونبّوة تاريخية. وربما كرر المرتل هذه الكلمات أربع مرات ليعلن أنه أينما ذهب: شرقًا أو غربًا أو شمالاً أو جنوبًا لا يجد راحة، لأن الله قد حجب وجهه عنه.
ليس كل تكرار في الصلاة مرفوضًا إنما يُرفض التكرار الباطل.
"إلى متى يارب تنساني إلى الانقضاء؟
حتى متى تصرف وجهك عني؟
إلى متى أضع هذه المشورات في نفسي
والأوجاع في قلبي النهار أجمع؟
إلى متى يرتفع عدوي عليّ؟" [1، 2]
لم يجد داود راحة لنفسه في كل الأرض، لا بسبب تمرد ابنه، وإنما بسبب خطيته التي تجعل الله يحجب وجهه عنه. وقد استعار المرتل هذا التعبير من إعلانات الله المحسوسة في هيكل قدسه، في خيمة الاجتماع التي كانت ترمز إلى أن القدوس يسكن وسط شعبه المقدس. ليس ما يفرح القلب وينير البصيرة الداخلية مثل حضرة الله الواهبة النعم، بكونه هو حياة النفس ونورها. وليس من ظلمة أكثر رعبًا من تلك التي تنبع عن الشعور بأن الله يحجب وجهه عن الانسان. لقد بلغت آلام أيوب ذروتها حين قال: "من يعطيني أن أجده... هأنذا أذهب شرقًا فليس هو هناك، وغربًا فلا أشعر به، شمالاً حيث عمله فلا أنظره، يتعطََّفُ الجنوبَ فلا أراه" (أي 23: 3، 8-9).
*   "حتى متى تصرف وجهك عني؟" إذ الله لا ينسى، لذلك فهو لا يحجب وجهه، إنما يتحدث الكتاب المقدس بلغتنا البشرية، فيقول إن الله يحجب وجهه بعيدًا عنا، وذلك حينما لا يُعلن معرفته عن ذاته للنفس التي لم تتطهر عيني فكرها بما فيه من كفاية.
 القديس أغسطينوس
ما نطق به داود يحمل نبوة عن السيد المسيح الذي يصرخ نائبًا عن البشرية وقد حمل ثقل خطاياها، فيقول للآب: "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" ليتنا نتمثَّل به في اتضاعه وصراخه بإيمان سائلاً الآب أن يوجه وجهه نحونا.
أحيانًا يشعر الإنسان في لحظات فتوره الروحي كأن الله قد تركه أو حجب وجهه عنه، وكأن الخطية - عدوه - قد ارتفعت عليه، لا تطلب إلا موته الأبدي... عندئذ لا يجد له ملجأ إلا الله مخلصه، يصرخ إليه لكي يشرق ببهاء وجهه في داخله.
في وقت المرارة يشعر الإنسان كأن الله قد تركه زمانًا طويلاً، لكن إذ يعود فيلتقي بالله خلال مراحمه العظيمة يدرك القول الإلهي: "لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك" (إش 54: 7).
St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. توسل:

"أنر عينَّي لئلا أنام نوم الموت" [3].
شعر داود النبي باحتياجه إلى الله الذي حجب وجهه عنه بسبب خطيته أن يعود فيرد وجهه البهي نحوه، وينير إنسانه الداخلي بنوره الإلهي، حتى لا يستمر في خطاياه، فلا ينام مع الذين ماتوا في خطاياهم.
صرخة المرتل "إلى متى" ليست صادرة عن يأس إنما عن نفس متألمة تعرف كيف تحول الشكوى إلى صلاة، لتنطلق بإيمان إلى الله تطلب منه الاستنارة ببهاء وجهه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). إنها بدالة الحب تطلب إليه قائلة: "أنظر... أستجب... أنر". فهو وحده القادر أن يدخل إلى أعماقنا، ويتطلع إلى سرائرنا، يستجيب إلى تنهدات قلبنا الخفية، وينير طبيعتنا التي صارت ظلمة.
*   لكي نقترب من النور الحقيقي، أعني المسيح، نسبحه في المزامير، قائلين: "أنر عينَّي لئلا أنام نوم الموت". فإنه موت حقيقي هو موت النفس لا الجسد حين نسقط عن استقامة التعاليم الصادقة ونختار الباطل عوض الحق. لذلك يلزم أن تكون أحقاؤنا ممنطقة وسرجنا موقدة كما قيل لنا هنا[283].  
القديس كيرلس الكبير
*   إذا ما أغلق الإنسان عينيهِ عن الرحمة، ينام في شهوات الملذات الجسدية[284].
الأب قيصريوس أسقف آرل
إذ يشرق مسيحنا في داخلنا يهبنا بروحه القدوس البصيرة المنيرة، فننال فهمًا جديدًا لحب الله وأبوّته وعمله الخلاصي، وإدراكًا لسرّ المسيح الذي يضم الشعوب والأمم إليه كأعضاء جسده المقدس، وإمتلاءً من روحه الناري الذي لا تقدر مياه كثيرة أن تطفئه في داخلنا؛ كما يهبنا العين المفتوحة القادرة أن تعاين الأمجاد السماوية، وأيضًا نظرة جديدة للبشرية كلها تتسم بالحب الباذل العملي من أجل الكل.
بهذه الاستنارة لا يبقى للظلام موضعًا في النفس ولا في الجسد أو في الفكر أو القلب إلخ... بل يكون كل ما في داخلنا وخارجنا مستنيرًا بالرب.
"لئلا يقول عدوي: إني قد قويت عليه.
الذين يحزنونني يتهللون إن أنا زللت" [4].
هكذا قدم داود النبي صلاة قصيرة نابعة عن إحتياجه، لكنها قوية. إنه إنما يطلب من الله أن يشرق عليه بنوره. وقد نصحنا آباء الكنيسة أن نردد صلوات قصيرة على الدوام، تسمى "الصلاة السهمية"، لأنها توجه كالسهم ضد الشيطان.
من هو هذا العدو الذي يخشى المرتل أن يقوى عليه ويعيَّره؟ إنه إبليس أو الخطية. يخشى المرتل سخرية أعدائه، الذين يتهللون إذا ما تزعزع مؤمن ما، ويُسر جدًا بهذا النجاح وإن كان مؤقتًا!
ما أعجب الله الذي كثيرًا ما يسمح لشعبه أن يسقطوا إلى حين تحت عنف أو استبداد أزواج أو والدين أو سادة أو قادة. كان لابد لدانيال وزملائه الأتقياء أن يعيشوا تحت سطوة حكام كلدانيين لهم نزواتهم. وعاشت أبيجايل مع زوج هو ابن لبليعال، لا يجسر أحد أن ينطق أمامه بكلمة. هذه هي المدرسة التي يتتلمذ فيها القديسون لمنفعتهم ونوالهم المجد، فإن الصعاب غير المحتملة تقودنا إلى البركة والنصرة[285].
St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. أغنية النصرة:

ثقة داود أو إيمانه بالله قد حوّل حزنه إلى تسبحة مفرحة، وآلامه إلى خلاص، لهذا يقول المرتل:
"يبتهج قلبي بخلاصك.
أسبح الرب المحسن إليّ.
وأرتل لاسم الرب العالي" [6-7].
يقول Stuhlmueller: [من الصعب أن ندلل على سبب هذا التحول المفاجئ: هل تعافى المرتل بسرعة؟ من المحتمل أن المزمور قد نُظم عبر ليالٍ طويلة من الأرق، والآلام المُرّة والصلوات اليائسة، والذكريات القاسية، كل هذا تطور تدريجيًا لينشئ سلامًا، حتى عند الموت يتحول غضب الإنسان أو كآبته إلى سلام داخلي وحب راسخ].
بدأ المزمور بالتنهدات وخُتم بالتسابيح، وكما تقول العروس: "لأن الشتاء قد مضى، والمطر مرّ وزال؛ الزهور ظهرت في الأرض؛ بلغ أوان القضب، وصوت اليمامة سُمع في أرضنا" (نش 2: 11-12). وكما يقول إبن سيراخ: "انظروا يا بني البشر واعلموا أنه ما من أحد توكل على الرب وخزى" (2: 11).
St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

صلاة

*   حوّل يارب مرارة نفسي إلى صلاة!
*   انظر إلى أعماقي، واستجب لتنهدات قلبي، ولتنر بصيرتي!     
أراك فأتعرف عليك وأحبك وأتحد بك وأشاركك مجدك!
*   أنر عينيْ قلبي بنورك فلا يكون للظلمة موضع في أعماقي!
*   قدني في مدرسة الألم لكي استعذب شركة صلبك وأنعم بقوة قيامتك!
*   احملني في وسط وادي الدموع، فيبتهج قلبي بخلاصك، وينفتح فمي بتسبيحك!

القديس يوسف النجار البار


 
القديس يوسف النجار البار
 
يوصف يوسف بالبار أو الصديق... ما معنى الإنسان البار أو الإنسان الصدّيق؟ هو ذاك الشخص الذي يعيش هذا التوافق ما بين الفكر والعمل وبين مشيئة الله... ومشيئة الله وضعت يوسف أمام اختبار صعب جدا، كيف يتصرف مع خطيبته التي هي حامل؟ هل يكشف أمرها؟ هل يرجمها كعادة اليهود أم يتركها سرّاً؟ حلول كثيرة توافق القانون والشريعة، وردت في فكر يوسف... ولكن إلى أي درجة يجب على يوسف أن يلتزم مع القانون؟... أحيانا كثيراً يكون القانون قاسيا جداً.... فتح يوسف قلبه وفكره وسلمهما للرب ليكشف له سر التدبير الخلاصي، فكان له دور فعّال في التهيئة لقدوم المخلص، رغم كل ما كان يفرضه المجتمع عليه من قرارات تمنعه من الارتباط بمريم... هل بإمكاننا أن نتحول إلى أداة تساهم في تقديم الخلاص للآخرين وتنقذهم من قسوة الشريعة، من الظلم؟...
بتدخل من الله يفهم يوسف معنى هذا الحَمل وهذا الحدث وهذه الأمور التي تحدث في حياته وعلاقته مع خطيبته... يوسف استطاع أن يفهم كلمة الله لأنه أصغى إليها، مجاهدا لضبط انفعال عصبي أو غضب... استطاع أن ينتظر بصمت ليتحقق كلام الله... لم ينفعل، بل بهدوء وروية استطاع أن يفهم... هكذا نحن أيضاً في أوقات الأزمات، نتعامل بعصبية...... ولكن علينا، عندما نشعر بأن لا حلول ممكنة، لنؤمن ونترك المجال لله ليعمل في حياتنا، ويعطيه هو المعنى الجوهري... أي أن نعطي للأحداث وقتها لتنكشف بوضوح، ولتأخذ بعداً مسيحياً.....
يوسف هو الحارس الأمين لمريم ويسوع... هو يأخذ دور القائد والمربي الحقيقي الذي يحب عائلته... هو لا يخذلها أو يتركها وقت الشدة، بل يبقى أمينا معينا... وهذا هو الأب الحقيقي، وهذه هي الأم الحقيقية، الأب الحقيقي، ليس الذي يلد أطفالا، الأب الحقيقي هو الذي يربي بأمانة عائلته، تماماً مثل يوسف.... إذا أردنا أن نعلّم السلام الحقيقي وان نشنّ حرباً حقيقية ضدّ الحرب وضد العنف، علينا أن نبدأ بالأطفال علينا بتربية الأطفال... أي هذه مسؤولية الأب والأم تجاه الأبناء لخلق عالم جميل...
الأب يسير على القانون والنظام، نعم، ولكن ليس على حساب الأبناء.... كم من النساء رجموا من قبل أزواجهم في المجتمع اليهودي (وغير اليهودي) لشك بسيط في الأمانة تجاه الحياة الزوجية.... وهذا كله أتٍ نتيجة الانفعال والتعامل بجهل وتخلف وهمجية تجاه الآخر...... الآخر هو إنسان، هو كائن حي له مشاعر وأحاسيس وظروف تجعله أحيانا يتصرف هذا الموقف أو ذاك... لذلك علينا أن نفهم ومن ثمّ نتعامل مع الآخر... على الأب أن لا ينفعل ويأخذ القرارات الصارمة تجاه العائلة.... بل أن يكون حكيماً، أن يكون أباً بكل ما تعينه كلمة أب من معنى عظيم....
على أولادك وبناتك أن يتلذذوا بكلمة (بابا) عندما يقولونها لك، وعليك أنت أيضاً ان تتلذذ بكلمة (ابني و أبنتي) عندما تقولها لهم.... أن يكون الحب هو المنبع الذي منه تخرج أحكامك وسلوكك مع أعضاء عائلتك.... لا الطاعة القسرية والعمياء والجافة التي تتحول إلى حقد من الأبناء تجاه الآباء... والتسلّط والدكتاتورية تجاه الأبناء، وتضيع الأم بين الآباء والأبناء لا تدري مع من تكون.... الأب الحقيقي، أنت تربح قلب أبنك وابنتك فأنت ستكون معهما حتى ولو كنت بعيداً منهما، لذلك لا تخاف عليهما لان ستكون مثلهم الأعلى في حياتهما...
أما الشك، فهنالك دائما أسباب تدفعنا لنتشكك بغيرنا، وربما بأقرب الناس، فهل نترك المجال لنفهم؟ من منا لا يمر ولا يختبر الصعوبات التي مر بها يوسف؟ من منا لا يشك من أحداث الحياة؟ من منا لا يتساءل ما إذا كان الرب حاضرا معنا أم أنه متغافل عن صعوباتنا؟ من منا لا يتألم من خبرات وصعوبات يعيشها ويتساءل دوماً: يا رب ما معنى هذا كله؟ لذلك لن نفهم إلا إذا فتحنا حياتنا لله، إلا إذا فتحنا قلوبنا وجعلنا لله مسكنا فيها...... اليوم يطرق الرب قلب يوسف مثلما فعل مع مريم التي قدمت كل حياتها.... والرب اليوم يطرق الرب قلوبنا، فهل نخاف من قدومه فهو آتِ ليحل سلاماً في حياتنا، وما أحوجنا إلى السلام اليوم.... لو جاء الرب، ماذا سيجد في بيوتنا؟ سؤال يطرح دائما، فهل هيئتم بيوتكم لاستقبال الرب؟...
وصوت الملاك الذي دعا يوسف: لا تخاف، هو نفسه اليوم يدعونا: لا تخافوا. فيسوع بيننا و معنا ليشفي جراحنا.... هو يريد أن يدخل قولبنا ويحب أن يعتني بالآخرين ويحرسهم من خلالنا... هو يريدنا أن نقبل حراسة إخوتنا وأخواتنا كما حرس يوسف العائلة المقدسة، فلا نشهر بسمعتهم، تماما كما فعل يوسف الذي أخفى حمل مريم خوفاً عليها، ولا نسيء إليهم من خلال الإتيان بسيرتهم بالسوء.... وان نكون حراسا لإخوتنا، هذه هي المشكلة منذ بداية التاريخ، قايين يرفض حراسة أخيه هابيل.... قال: هل أنا حارس لأخي؟.... فقتله... نعم يا قايين، أنت حارس لأخيك، وكل واحد منا هو حارس للآخر، فهل نحن أمناء؟ الكثير من البشر يقتلون من قبل بشر آخرين، من قبل إخوتهم... هل نستطيع اليوم أن نتحمل مسؤولياتنا تجاه الآخر؟ إلى هذا اليوم، لم يتعلم قايين ان يدافع عن إخوته، يوميا لدينا قايين جديد يقتل ويبطش ويعذب أخيه.... أين هو القديس يوسف اليوم من حياتنا؟.... فلنطرح السؤال، هل نحن حراس لإخوتنا؟.... والجواب، هو مثلما كان منذ البدء، يأتينا من الرب ليذكرنا بمسؤوليتنا: (نعم، انتم حراس لإخوتكم)... آمين....
(منقول من موقع Zenit.org)
 

انا فرحانة


انا فرحانة

في ليلة عيد النيروز 10 سبتمبر عام 1979 كانت كنيسة مارجرجس باسبورتنج مزدحمة بالشعب للاحتفال بهذا العيد و كان من عادة أبونا بيشوي كامل في عشية النيروز أن يجمع ما أستطاع من أيقونات الشهداء و يدور بها في الكنيسة بعد لحن "افنوتي ناي نان" و هو يمشي يكاد يقفز من الفرح الروحي الذي كان يفيض من قلبه على شعبه، فيتهلل الجميع.

و لما ضاق الشيطان بهذه الروح، ملأ قلب بعض الشباب المستهتر، فوقفوا على جسر الترام المقابل للكنيسة، و أخذوا يقذفون الكنيسة بالطوب، فأصابت هذه الحجارة نوافذ الكنيسة، فتطاير الزجاج و....

و فجأة ارتفعت صرخة إحدى السيدات، لقد جاءت طوبة في نظارتها، فتهشم زجاج النظارة و دخل عينها و نزفت عينها و وجهها دما غزيراً ....

أسرع "أبونا بيشوي كامل" نحو السيدة "لندا" التي أصيبت يحاول أن يضمد شيئا، و لكن العجيب في الأمر أن السيدة "لندا" كانت رغم الألم تشكر ربنا قائلة لأبونا: "الحمد الله يا ابونا، الحمد الله، إن الطوبة لم تأتي في تاسوني انجيل (تاسوني انجيل زوجة أبونا بيشوي كامل) التي كانت تقف بجانبي الحمد الله إن الطوبة لم تصب إحدي الفتيات الصغيرات، أنا إمرأة كبيرة، مش مهم، دي بركة عيد النيروز، أنا فرحانة...."

تعجب الجميع من هذه السيدة التي ينزف الدم من عينيها و تتألم و هي فرحانة. أسرع "أبونا بيشوي كامل" و أخذ االسيدة "لندا" إلي طبيب العيون الدكتور "ماهر ميخائيل" . رفع الدكتور الضمادات التي كانت على عينيها، فوجد النزيف مستمرا و شظايا الزجاج متناثرة داخل العين، فقال الطبيب لأبونا: أنا لا أستطيع أن أفعل شيئا، سأعطيها مسكنا و شيئا يساعد على وقف النزيف و في الغد تأتي لنكشف على العين لنرى ماذا سنفعل.

و رغم ألمها، أصرت السيدة "لندا" على حضور سهرة عيد النيروز لتشترك في التسابيح الجميلة حتى الصباح. و قد حاول "أبونا بيشوي كامل" أن يثنيها عن ذلك حتى تذهب لتستريح و لكنها أصرت على تكملة السهرة. فقال أبونا بيشوي: "لندا ستدخل الملكوت حدف، الملائكة أول ما يشوفوها حيرموها في الملكوت على طول"

و تناولت "لندا" وعادت لبيتها، ثم ذهبت مع أبونا "بيشوي كامل" إلي الدكتور ماهر ميخائيل الذي ما أن رفع الضمادات من على عينها حتى رأى المفاجأة التي أذهلت الجميع، فقد كانت العين سليمة تماما لا خدش و لا جرح و لا شظايا الزجاج التى رأها بالأمس، فالعين صحيحة تماما.

يارب .. لقد نظرت يا سيدي إلي محبة هذه السيدة التي فرحت أن كل الزجاج أصاب عينها و لم يصب أحد غيرها .. لقد نظرت يا سيدي إلي فرح السيدة بأن تتألم مع شهدائك .. و هل تنسى تعب محبتها ؟!


من كتاب رائحة المسيح في حياة أبرار معاصرين

للقمص لوقـا سـيداروس

أحدث الموضوعات

From Coptic Books

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة من 10/2010